![شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد - الحلقة الخامسة 5 شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد – الحلقة الخامسة](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/05/1_20240522_213717_٠٠٠٠.png)
خروج خالد بن الوليد من الحيرة متوجها لبلاد الشام وفتح تدمر والقريتين وحوارين، توقفنا في الحلقات السابقة قبل أن نستعرض أسباب تفوق خالد بن الوليد على الفرس في معاركه في العراق عند نقطة إستدعاء الخليفة أبي بكر الصديق له إلى جبهة الشام التي كان موقف جيوش المسلمين الأربعة بها في غاية الحرج وخرج خالد بن الوليد من الحيرة في يوم 8 صفر عام 13 هجرية الموافق يوم 14 أبريل عام 634م مصطحبا نصف جيش العراق.
وكان قوامه تسعة آلاف مقاتل وترك مثلهم في العراق مع المثنى بن حارثىة الشيباني وأرسل رسالةً عامةً إلى المسلمين في الشام يخبرهم بأمر الخليفة بنجدتهم ورسالة خاصَّة إلى أبي عبيدة بن الجراح القائد العام لجيوش الشام يخبره بأمر الخليفة تعيينه قائدا عاما لجيوش المسلمين في هذه البلاد وإخترق الصحراء التي تفصل العراق عن الشام في ثمانية أيام وقيل خمسة أيام في طريق وعرة لم يسلكها أحد قبله وهي طريق قراقر عين التمر سوى أرك تدمر القريتين الغوطة بصرى.
ويتميز هذا الطريق بأنَه خال من قلاع الفرس والروم ومسالحهم ويصل بسالكه إلى بصرى دون أن يتعرض لهجمات العدو وإجتهد خالد بن الوليد حين أشرف على الشام وأراد قبل أن يتوغل فيها ألا يترك خلفه مواقع قائمة للبيزنطيين أو لحلفائهم من العرب فصالح أهل المصيخ وبهراء وأرك بعد أن إصطدم بهم وضرب الحصار حول تدمر والتي كانت من المراكز العسكرية المحصنة فحاصرها المسلمون من كل جانب وقد تحصن بها أهلها فهددهم خالد بن الوليد.
وقد أصر على فتحها ويبدو أنهم كانوا قد أدركوا حرج موقفهم في ظل غياب الدعم البيزنطي فمالوا إلى طلب الصلح وفتحوا أبواب مدينتهم للمسلمين وواصل المسلمون سيرهم حتى وصلوا إلى القريتين فإعترضهم أهلها وجرى إشتباك بين الطرفين أسفر عن إنتصار المسلمين ثم مروا بحوارين فتحصن أهلها وراء أسوارها وطلبوا مساعدة عاجلة من المدن والقُرى المجاورة فجاءهم جيشان الأول من بعلبك والثاني من بصرى يبلغ عددهما أكثر من أربعة آلاف مقاتل.
لكن المسلمين إصطدموا بهما قبل أن يصلا وشتتوهما فإضطَّر أهالي حوارين إلى قبول الصلح وتوجه المسلمون بعد حوارين بإتجاه الجنوب قاصدين غوطة دمشق فإعترضهم الغساسنة بقيادة الحارث بن الأيهم وجرى إشتباك بين الطرفين أسفر عن إنتصار المسلمين وتراجع الغساسنة إلى حصون دمشق وواصل المسلمون تقدمهم حتى بلغوا الثنية ووقفوا على التل المعروف بهذا الإسم.
ونشروا عليه الراية السوداء المسماة بالعقاب وهي راية النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأغاروا على بعض قرى الغوطة وعسكروا أمام الباب الشرقي لدمشق على دير صليبا وفي رواية أن خالدا عسكر على باب الجابية الغربي وأجرى مباحثات مع أُسقف المدينة وعامل هرقل منصور بن سرجون أسفرت عن معاهدة صلح وكتب خالد بن الوليد كتابا لِأهل المدينة يتعهد لهم بأنه لو دخلها لن يتعرض لهم أحد في أنفسهم وأموالهم وكنائسهم.
وأن لا تسكن دورهم طالما أعطوا الجزية ومن الواضح أن دمشق لم تكن هدف خالد في هذه المرحلة إنما أراد فقط أن يحمي مؤخرة جيشه عندما يستأنف الزحف بإتجاه الجنوب .
![شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد - الحلقة الخامسة 16 خالد بن الوليد: فتح بصرى](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/05/2_20240522_213944_٠٠٠١.png)
خالد بن الوليد: فتح بصرى
وكان القائد العام لجيش المسلمين في بلاد الشام أبو عبيدة بن الجراح رضي االله عنه قبل وصول خالد بن الوليد قد وجه شرحبيل بن حسنة في أربعة آلاف مجاهد إلى بصرى وإذا بالمدينة تفاجأ بقدوم شرحبيل بجيشه وعسـكره وكان على بصرى بطريق عظيم الشأن والقدر عند الإمبراطور الرومي وعامة الروم إسمه رومانس وكان يجتمع إلیه الروم من أقصى بلادهم يستمعون إلى ألفاظ حكمته ومواعظه فهرع الناس إليه يسألونه الحل والمخرج لهذا المأزق.
![شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد - الحلقة الخامسة 17 شخصيات إسلامية](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/05/2_20240522_213717_٠٠٠١.png)
فخرج البطريرك يسأل قائد جیش المسلمين عـن مهمتهم وغـرض قدومهم وبعد محاورة طويلة بينهما أيقن البطريرك أن الإسلام حق وأن نبيه صلى االله عليه وسلم هو الذى بشرت به كتبهم ونصح قومه بأن يؤدوا الجزية ويصرفوا المسلمين عـنهم وأخفى إسلامه خشية أن يتمردوا علیه ویقتلوه وفعلا غضبوا علیه وهموا بقتله فقال لهم مستدركا كلامهم وأراد أن یهدئهم لاتعجلوا یاقوم إنما أردت أن أختبركم وأرى مبلغ حمیتكم لدینكم.
والآن دونكم والقوم وأنا فـي مقدمتكم فإستعد الروم وجمعـوا جمعهـم وتجهـزوا للمنازلة فلما رأى شـرحبیل رضي الله عنه ذلك وقف في الجیش خطیبا یذكرهم بمعاني الجهاد وفضل الإستشهاد لتكون كلمة الله هي العلیا وكلمة الذین كفروا السفلى حيث قال لهم أیها المسلمون إعلموا رحمكم الله أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال الجنة تحت ظلال السـیوف وأحب ماقرب إلي الله قطرة دم في سبیل الله أو دمعة جرت في جوف اللیل من خشیة الله تعالى.
یا أیها الذین آمنوا إتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ثم حمل المسلمون على جیش بصرى حملتهم وإلتحم الجیشان ولم یزل القتال محتدما بينهما إلى أن توسطت الشمس في قبة الفلك وكاد العدو أن ينال من المسلمين وأن يبدد جمعهم فرفع شرحبيل رضي الله عنه یدیه یدعو الله بحرارة وصدق ویقول یا حي یا قیوم یا بدیع السماوات والأرض یا ذا الجلال والإكرام اللهم إنك تعلم أننا جئنا إلـى هـذا المكان لننصر دینك ووعدك الحق فإنصرنا على القوم الكافرین.
وما أن أكمل شرحبيل دعاءه حتى جاء النصـر المؤزر من عند االله العزیز الحكیم حيث شوهدت غبرة قـد أشرفت خلف جيش المسلمين من عند حوران فلما إقتربت منه فإذا تحتها جيش على مقدمته فارسان أحدهما ينادى ويصيح يا شرحبیل یا إبن حسنة أبشر بنصر االله أنا خالد بن الوليد والآخر یصیح وأنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصدیق فتعانق الجیشان وإشتبكا في قتال شدید ولما هدأت المعركة تسلم القیادة العامة خالد بن الولید رضي الله عنه.
فأمر الجیش بالراحة إستعدادا للمنازلة في الیوم التالي وما أن طلع الفجر إلا وتحركت جموع الروم وزحفت على المسلمین وإســتعد لها المسـلمون وأخذوا أهبتهم للحرب فجعل خالد رضي الله عنه ینظم الجیش بسرعة فائقة وبقي هو في القلب یعظ الناس ویوصیهم بالثبات فلما نظر جیش بصرى تنظیم جیش المسلمین دبَ فـي صفوفهم الرعب وتلاقى الفریقان وإشتبكا وحمل المسلمون حملتهم وإرتفعت أصواتهم بالتهلیل والتكبیر.
فلم یكن للروم من ثبات مع المسلمین فولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وتراجعوا الى مدینتهم بصرى فدخلوها وتحصنوا بأسوارها وأحكموا غلق أبوابها فشدد المسلمون الحصار علیها وفي أثناء ذلك إستطاع البطریق رومانس أن یفلت من قومه ویأتي خالدا لكي یعلن إسلامه وینضم إلى صفوف المسلمین ویعینهم على فتح أبواب المدینة وإقتحامها وبذلك إنتهت المعركة بإستسلام الروم وإنتصار المسلمین وكانت بذلك بصرى أول مدينة فتحت صلحا في الشام وأول جزية وقعت في هذا البلد في عهد الخليفة العظيم أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفقا لرواية البلاذرى .