![شخصيات إسلامية : أبو عبيدة بن الجراح - الحلقة الثالثة 5 شخصيات إسلامية : أبو عبيدة بن الجراح – الحلقة الثالثة](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/03/1_20240303_014617_٠٠٠٠.png)
تحرك خالد بن الوليد السريع من العراق إلى الشام
وكان خالد بن الوليد عندما وصله أمر الخليفة بترك العراق، والإسراع بنصف جيش العراق إلى الشام في الحيرة، وكان قد أنشأ لنفسه موقعا ثابتا موطد الأركان نسبيا في غربي نهر الفرات، لكنه لم يكن ينطوى منذُ البداية على الرغبة في فتح إقليم لنفسه.
والإستقرار فيه فإستجاب على الفور لأمر الخليفة ابي بكر، من واقع كونه تحديا لكفاءته العسكرية، وإصطحب خالد معه إلى الشام تسعة آلاف مقاتل، وهم الذين كانوا قد قدموا معه يوم جاء إلى العراق وترك ثمانية آلاف مقاتل، بقيادة المثنى بن حارثة الشيباني.
وهم الذين كانوا معه في العراق قبل مجيئه وخرج خالد بن الوليد من الحيرة في يوم 8 صفر عام 13 هجرية الموافق يوم 14 أبريل عام 634م وأرسل رسالةً عامةً إلى المسلمين في الشام، يخبرهم بأمر الخليفة بنجدتهم.
ورسالة خاصة إلى أبي عبيدة يخبره بأمر الخليفة تعيينه قائدا عاما لجيوش المسلمين في هذه البلاد وإخترق الصحراء التي تفصل العراق عن الشام في ثمانية أيام وقيل خمسة أيام في طريق وعرة لم يسلكها أحد قبله وهي طريق قراقر عين التمر سوى أرك تدمر القريتين الغوطة بصرى.
ويتميز هذا الطريق بأنَه خال من قلاع الفرس والروم ومسالحهم، ويصل بسالكه إلى بصرى دون أن يتعرض لهجمات العدو، وإجتهد خالد حين أشرف على الشام، وأراد قبل أن يتوغل فيها، ألا يترك خلفه مواقع قائمة للبيزنطيين أو لحلفائهم من العرب، فصالح أهل المصيخ وبهراء، وأرك بعد أن إصطدم بهم وضرب الحصار حول تدمر، والتي كانت من المراكز العسكرية المحصنة، فحاصرها المسلمون من كل جانب.
وقد تحصن بها أهلها فهددهم خالد، وقد أصر على فتحها، ويبدو أنهم كانوا قد أدركوا حرج موقفهم في ظل غياب الدعم البيزنطي، فمالوا إلى طلب الصلح وفتحوا أبواب مدينتهم للمسلمين. وواصل المسلمون سيرهم حتى وصلوا إلى القريتين، فإعترضهم أهلها وجرى إشتباك بين الطرفين، أسفر عن إنتصار المسلمين، ثم مروا بحوارين فتحصن أهلها وراء أسوارها، وطلبوا مساعدة عاجلة من المدن والقرى المجاورة.
فجاءهم جيشان الأول من بعلبك والثاني من بصرى، يبلغ عددهما أكثر من أربعة آلاف مقاتل، لكن المسلمين إصطدموا بهما قبل أن يصلا، وشتتوهما فإضطَّر أهالي حوارين إلى قُبول الصلح، وتوجه المسلمون بعد حوارين بإتجاه الجنوب قاصدين غوطة دمشق، فإعترضهم الغساسنة بقيادة الحارث بن الأيهم، وجرى إشتباك بين الطرفين أسفر عن إنتصار المسلمين .
وتراجع الغساسنة إلى حصون دمشق، وواصل المسلمون تقدمهم حتى بلغوا الثنية ووقفوا على التل المعروف بهذا الإسم، ونشروا عليه الراية السوداء، المسماة بالعقاب وهي رايةُ النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأغاروا على بعض قرى الغوطة، وعسكروا أمام الباب الشرقي لدمشق، على دير صليبا وفي رواية أن خالدا عسكر على باب الجابية الغربي، وأجرى مباحثات مع أُسقف المدينة.
وعامل هرقل منصور بن سرجون أسفرت عن معاهدة صلح وكتب خالد كتابا لأهل المدينة يتعهد لهم بأنه لو دخلها لن يتعرض لهم أحد في أنفسهم وأموالهم وكنائسهم وأن لا تسكن دورهم طالما أعطوا الجزية ومن الواضح أن دمشق لم تكن هدف خالد في هذه المرحلة إنما أراد فقط أن يحمي مؤخرة جيشه عندما يستأنف الزحف بإتجاه الجنوب .
![شخصيات إسلامية : أبو عبيدة بن الجراح - الحلقة الثالثة 16 أبو عبيدة بن الجراح](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/03/20240303_014828_٠٠٠٠.png)
وصول خالد بن الوليد إلى الشام وفتح بصرى
وكان أبو عبيدة بن الجراح رضي االله عنه الذى كان يعد القائد العام لجیش المسلمین فـي بلاد الشام، قبل وصول خالد بن الوليد، قد وجه شرحبيل بن حسنة في أربعة آلاف مجاهد إلى بصرى، وإذا بالمدینة تفاجأ بقدوم شرحبیل بجيشه وعسـكره، وكان على بصرى بطریق عظیم الشأن والقدر عند الإمبراطور الرومي، وعامة الروم إسمه رومانس.
وكان یجتمع إلیه الروم من أقصى بلادهم، یستمعون إلى ألفاظ حكمته ومواعظه، فهرع الناس إليه يسألونه الحل والمخرج لهذا المأزق، فخرج البطریق یسأل قائد جیش المسـلمین عـن مهمتهم، وغرض قدومهم، وبعد محاورة طویلة بینهما، أیقن البطریق أن الإسلام حق وأن نبیه صلى االله علیه وسلم هو الذى بشرت به كتبهم.
ونصح قومه بأن یؤدوا الجزیة، ویصرفوا المسلمین عـنهم، وأخفى إسلامه خشیة أن یتمردوا علیه، ویقتلوه، وفعلا غضبوا علیه, وهموا بقتله فقال لهم مستدركا كلامهم، وأراد أن یهدئهم لاتعجلوا یاقوم إنما أردت أن أختبركم وأرى مبلغ حمیتكم لدینكم، والآن دونكم والقوم، وأنا فـي مقدمتكم، فإستعد الروم وجمعـوا جمعهم، وتجهزوا للمنازلة فلما رأى شـرحبیل رضي الله عنه، ذلك وقف في الجیش خطیبا یذكرهم بمعاني الجهاد، وفضل الإستشهاد لتكون كلمة الله هي العلیا وكلمة الذین كفروا السفلى.
حيث قال لهم “أیها المسلمون إعلموا رحمكم االله أن رسول االله صلى االله علیه وسلم قال الجنة تحت ظلال السـیوف وأحب ماقرب إلي االله قطرة دم في سبیل االله أو دمعة جرت في جوف اللیل من خشیة االله تعالى یا أیها الذین آمنوا إتقوا االله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون” ثم حمل المسلمون على جیش بصرى، حملتهم وإلتحم الجیشان.
ولم یزل القتال محتدما بينهما إلى أن توسطت الشمس في قبة الفلك، وكاد العدو أن ينال من المسلمين، وأن يبدد جمعهم فرفع شرحبيل رضي الله عنه یدیه، یدعو االله بحرارة وصدق، ويقول “یا حي یا قیوم یا بدیع السماوات والأرض یا ذا الجلال والإكرام اللهم إنك تعلم أننا جئنا إلى هذا المكان لننصر دینك ووعدك الحق فإنصرنا على القوم الكافرین” وما أن أكمل شرحبيل رضي االله عنه دعاءه، حتى جاء النصر المؤزر من عند االله العزیز الحكیم.
حيث شوهدت غبرة قـد أشرفت خلف جيش المسلمين من عند حوران، فلما إقتربت منه فإذا تحتها جيش على مقدمته فارسان أحدهما ينادى ويصيح يا شرحبیل یا إبن حسنة أبشر بنصر االله، أنا خالد بن الولید، والآخر یصیح وأنا عبد الرحمن بن أبي بكر الصدیق، فتعانق الجیشان وإشتبكا في قتال شدید، ولما هدأت المعركة تسلم خالد بن الوليد رضي الله عنه، قیادة جيش بصرى فأمر الجیش بالراحة، إستعدادا للمنازلة في الیوم التالي.
وما أن طلع الفجر إلا وتحركت جموع الروم، وزحفت على المسلمین، وإستعد لها المسلمون، وأخذوا أهبتهم للحرب فجعل خالد رضي الله عنه، ینظم الجیش بسرعة فائقة، وبقي هو في القلب یعظ الناس، ویوصیهم بالثبات فلما نظر جیش بصرى تنظیم جیش المسلمین، دب فـي صفوفهم الرعب وتلاقى الفریقان وإشتبكا وحمل المسلمون حملتهم وإرتفعت أصواتهم بالتهلیل والتكبیر.
فلم یكن للروم من ثبات مع المسلمین فولوا الأدبار، وركنوا إلى الفرار، وتراجعوا الى مدینتهم بصرى، فدخلوها وتحصنوا بأسوارها، وأحكموا غلق أبوابها، فشدد المسلمون الحصار علیها، وفي أثناء ذلك إستطاع البطریق رومانس، أن یفلت من قومه، ویأتي خالدا لكي یعلن إسلامه، وینضم إلى صفوف المسلمین، ویعینهم على فتح أبواب المدینة، وإقتحامها.
وبذلك إنتهت المعركة بإستسلام الروم، وإنتصار المسلمین، وكانت بذلك بصرى أول مدينة فُتحت صلحا في الشام، وأول جزية وقعت في هذا البلد في عهد الخليفة الراشد الأول العظيم، أبي بكر الصديق رضي الله عنه وفقا لرواية البلاذرى .
![شخصيات إسلامية : أبو عبيدة بن الجراح - الحلقة الثالثة 17 معركة أجنادين (أبوعبيدة بن الجراح)](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/03/4_20240303_014617_٠٠٠٣.png)
(أبوعبيدة بن الجراح)
معركة أجنادين
وبعد فتح بصرى كانت معركة أجنادين في شهر جمادى الأولى عام 13 هجرية، الموافق شهر يوليو عام 634م، حيث أنه بعد سقوط بصرى، إستنفر هرقل إمبراطور الروم قواته، وأدرك أن الأمر جد لا هزل فيه وأن مستقبل الشام بات في خطر، ما لم يواجه المسلمين بكل ما يملك من قوة، وعتاد حتى تسلم الشام وتعود طيعة تحت إمرته، فحشد العديد من القوات الضخمة، وجهز جيشا ضخما قوامه سبعين ألف مقاتل ووجهه إلى سهل أجنادين إلى الغرب من القدس الشريف.
وإنضم إليه نصارى العرب والشام وشكل خالد بن الوليد جيشه الذى كان قوامه حوالي ثلاثين ألف مقاتل، ونظمه ميمنة وميسرة، وقلب ومؤخرة، فجعل على الميمنة معاذ بن جبل، وعلى الميسرة سعيد بن عامر، وعلى المشاة في القلب أبا عبيدة بن الجراح، وعلى الخيل سعيد بن زيد وأقبل خالد يمر بين الصفوف، لا يستقر في مكان يحرض الجند على القتال ويحثهم على الصبر والثبات ويشد من أزرهم.
وأقام النساء خلف الجيش يبتهلن إلى الله، ويدعونه ويستصرخنه، ويستنزلن نصره، ومعونته ويحمسن الرجال، وتهيأ جيش الروم للقتال، وجعل قادته الرجالة في المقدمة، يليهم الخيل وإصطف الجيش، في كتائب ومد صفوفهم حتى بلغ كل صف نحو ألف مقاتل، وأمر خالد جنوده، بالتقدم حتى يقتربوا من جيش الروم.
وأقبل على كل جمع من جيشه، يقول لهم “إتقوا الله عباد الله قاتلوا في الله من كفر بالله ولا تنكصوا على أعقابكم ولا تهنوا من عدوكم ولكن أقدموا كإقدام الأسد وأنتم أحرار كرام فقد أبيتم الدنيا وإستوجبتم على الله ثواب الآخرة ولا يهولكم ما ترون من كثرتهم فإن الله منزل عليهم رجزه وعقابه”.