شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد – الحلقة الرابعة

شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد – الحلقة الرابعة
شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد - الحلقة الرابعة

أسباب إنتصار خالد بن الوليد في كل معاركه ضد الفرس وقبل أن نتكلم عن خالد بن الوليد وأعماله في الشام لابد وأن نذكر لم إنتصر خالد علي الفرس في جميع معاركه معهم في العراق جيث كان يوقع بهم في كل معركة يخوضها والإجابة عن هذا السؤال هي أن خالد كان يتبع في تحركاته وخططه مجموعة من المفاجآت التي تشل تفكير عدوه وتربكه وتسبب له الإضطراب.

فقد كان يحسن إختيار المكان الأنسب للقتال ونذكر هنا أولي معاركه في العراق وهي موقعة الكاظمة فقد كان في نية خالد التقدم إلى الحفير وهي منطقة تقع في غرب الكاظمة ولكن لما علم بذلك هرمز أمير الأبلة وكاظمة توجه بجيشه إلى الحفير فعلم بذلك خالد بن الوليد فغير مكان القتال وعلى الفور إنتقل إلى الكاظمة وإختار مكان القتال وجاء الجيش الفارسي مرهقا ومجهدا دون أن يكون مستعدا لقتال جيش خالد بن الوليد.

كما أنه لما علم بتقدم جيش من المدائن إلى الميزار وذلك بعد أن إنتصر على الفرس في معركة الميزار في شرق نهر دجلة حتى يحيطه من الجنوب بعد خروجه من الميزار وعلم ايضا بتقدم جيش الأندرزغر من المدائن إلى الولجة فخشي أن تحيطه الجيوش الفارسية مكن الشمال ومن الجنوب لذا فقد إنسحب فورا بجيوشه من الميزار إلى الولجة وإختار هو مكان المعركة.

وإستخدم فيها تكتيك الكمين وتم له النصر على جيش الأندرزغر وتم له أيضا النصر بعد ذلك في موقعة أُليس على الجيش الآخر الذى غير وجهته إلي أليس بعد هزيمة الأندرزغر وبخلاف ذلك كان خالد يلجأ إلي أسلوب الكمائن الذى لم يكن يعرفه الفرس وفي معركة الولجة خبأ خالد مجنبتيه وعندما إشتد القتال وحمي الوطيس أشار خالد إلى المجنبتين ليطبقا كفكي كماشة علي جيش الفرس ويسحقاه سحقا وكان ذلك إنتصارا كبيرا للمسلمين.

أساليب خالد العجيبة للوصول إلى أعدائه

وإلي جانب ذلك كان لخالد بن الوليد أسلوبه العجيب الذى يصل به إلي أعدائه فنجده في فتح الأنبار قد إبتكر مفاجأةٌ في الأسلوب الحربي فقد كان حول الأنبار خندق عميق لا تستطيع الخيول أن تقفز من فوقه ويقف هذا الخندق عائقا أمام الجيش المسلم لكن خالدا بعد أن فقئت من عيون أهل الأنبار ألف عين قرر أن يجتاز هذا الخندق فأمر بأن تنحر ضعاف الإبل وتوضع في الخندق وتمر عليها الخيول.

ثم تقدم الجيش المسلم وإقتلع باب الحصن فإستسلم أهل الحصن والجيش الفارسي على الفور وعلاوة علي ذلك فقد إستغل عنصر المفاجأة أيضا باللجوء إلي الحرب الليلية الخاطفة حيث كانت الحروب في هذه الفترة وقبلها نهارا فقط وعندما يأتي الليل تنفصل الجيوش بشكل تلقائي عن بعضها حتى يأتي فجر يوم جديد فيبدأ القتال ولم يكن قتال الليل محبذا طيلة هذه العصور.

وحتى بعد عصر خالد بن الوليد بمئات السنين لأن الجيوش لم تكن تستطيع التحدث مع بعضها ومعرفة الأماكن الآمنة وأماكن الجند إلى أن جاء القرن التاسع عشر الميلادى عندما إخترع اللاسلكي ولكن خالدا إستخدم أسلوبا جديدا على الفرس لم يعهدوه ولم يعهده أحد من قبل وهو أنه هاجمهم ليلا هجوما خاطفا في موقعة المصيخ ومن ثلاث جهات وإنتصر جيش المسلمين ولكن هرب منها بعض الفرس وبعض العرب.

معركة الكاظمة
شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد

فكرر خالد هذه التجربة في معركة الثني وكان قد إستفاد بعد دروس معركة المصيخ فلم يفلت من الثني أحد وكان تحقيق النصر بنسبة 100 % ثم إنتقل إلى منطقة الزميل في الليلة نفسها قبل طلوع الفجر ولم يفلت منهم أحد أيضا وبالإضافة إلي ذلك كانت بعض تحركات خالد تبدو غير منطقية ولكنها كانت تحمل مفاجآت غير متوقعة لأعدائه فقد تحرك من عين التمر إلى دومة الجندل والتي تبعد 500 كيلو متر من الحيرة.

فكيف يتصور أن جيشا يفتح كل هذه البلاد ويترك فيها الحاميات ويتركها في مواجهة المدائن أقوى حصون فارس على مر التاريخ والجيش الفارسي على مقربة منهم ولكنه يترك كل هذا ويتوجه بجيشه بسرعة عجيبة ويساعد جيش عياض بن غنم في دومة الجندل ثم يعود مرة أخرى إلى عين التمر وهو مطمئن تماما على الحاميات القليلة الموجودة في هذه المنطقة ويعد ما فعله خالد حدثا مفاجئا لا يتوقعه على الإطلاق الفرس الموجودون في دومة الجندل.

والذين كانوا يحاربون عياضا وكان من التحركات غير المنطقية أيضا موقعة الميزار وقد ذكرنا أن خالدا كان يتقدم من موقعة الأبلة ثم عبر شط العرب إلى الميزار وتقابل مع جيش الفرس الذي كان بقيادة قارن بن قريانص ولم يكن قارن هذا يتوقع مطلقا عندما وصل إلى الميزار أن يجد فيها جيش خالد بن الوليد ولأنه قادم من جهة الشمال من المدائن كان يتوقع أن يصل إلى شط العرب.

ويعبر هو إلى خالد بن الوليد ولكنه فوجئ بأن خالد هو الذي عبر إلى منطقة الميزار ليواجهه وأيضا من التحركات التي تبدو غير منطقية التوجه إلى أقصى شمال العراق وأن يطأ أرض الروم ويواجه في الفراض جيش مكون من الفرس والروم ونصارى ومشركي العرب فكيف يمكن ومن يتصور لجيش خالد أن يتوجه من الحيرة مسافة 800 كيلو متر إلى الرباط ثم إلي الفراض.

وهو ما لم يتوقعه الجيش الفارسي على الإطلاق ومن ثم باغتهم خالد في أماكنهم وضرب هذا الجيش الخليط الذى واجهه ضربة قاضية والذى كان يفتقر إلي تنظيم ووحدة القيادة والهدف .

بداية التحرك نحو جنوب العراق
سيف الله المسلول

المهارة القتالية لخالد بن الوليد

ولابد هنا أن نذكر أيضا المهارة القتالية لسيف الله المسلول خالد بن الوليد ونذكر قتله لهرمز قائد جيش الفرس بالكاظمة وكان أحد عظماء الفرس في القتال ولكن خالد بارزه في بداية هذه المعركة وقام هرمز بخيانة حيث جمع بعض حاميته لتحاصر خالدا ولم يكن هذا من عهد الجيوش في القتال بل كان السائد أن يبارز رجل رجلا ثم تبدأ الحرب بعد ذلك ولكن خالدا قتل هرمز وكان هذا شيئا عجيباً.

حيث كان هرمز محاطا بحامية كاملة من الجيش الفارسي وكان خالد هو الوحيد في جيشه ومعه الزبير بن العوام اللذان يستطيعان القتال بسيفين معا مع الإجادة التامة لإستعمال كافة أسلحة عصره وتجلت المهارة القتالية أيضا لدى خالد عندما قابل عقة بن أبي عقة في عين التمر وطلب عقة المبارزة فخرج إليه خالد وأطاح بالسيف من يده وحمله من على فرسه

وأتى به إلى جيش المسلمين وكان هذا أيضا من الأمور العجيبة فقد كان عقة هو أشجع جيشه وأقواهم ومن ثَم خرج يطلب المبارزة ولكن خالدا أسره ببساطة وكان هذا الأمر من مهاراته القتالية كما كان لخالد بن الوليد القدرة على تشتيت العدو وفي هذا الإطار نذكر أن خالدا وبتوجيه من أبي بكر الصديق كان يفكر دائما في حصار الفرس وقتالهم من أكثر من جهة.

وكان هذا الأمر أيضا من الأشياء الغريبة على أهل فارس ورأيناه في بداية فتح العراق في خطة الخليفة أبي بكر الصديق من حيث إحاطتها من الشمال والجنوب بسيدنا خالد وسيدنا عياض والإلتقاء في الحيرة وكذلك سقط حصن دومة الجندل تحت تأثير الهجمات الشمالية والجنوبية وهوجمت كذلك المصيخ والثني والزميل من ثلاث جهات مختلفة بجيش خالد بن الوليد.

وبجيش القعقاع بن عمرو وبجيش أبي ليلى بن فدكي السعدي وإنتصرت الجيوش الإسلامية في المواقع الثلاثة فلم يكن في ظن الجيش الفارسي أن تأتيه الجيوش من الجهات الثلاث .

قدرة خالد الفائقة على إستخدام عنصر المبادرة

وأيضا كانت لخالد القدرة الفائقة علي إستخدام عنصر المبادرة في جميع معاركه فكان يباغت عدوه بالهجوم ولا ينتظر أن يبدأ هو ويقول الخبراء العسكريون إن الذي يمتلك الضربة الأولى يمتلك ما يقرب من 50 % من النصر وحسبما تكون قوة هذه الضربة تتضاعف نسبة النصر لكنها لا تقل غالبا عن 50 % وهذا ما كان يحدث الهزيمة في صفوف الفرس فكان خالد بن الوليد في كل حروبه تقريبا هو الذي يبدأ القتال.

وعلى سبيل المثال موقعة الميزار وعبوره شط العرب وموقعة الولجة وإنسحابه من الميزار كلية إلى الولجة وموقعة عين التمر وغيرها من المعارك فكانت هذه بعض المفاجآت التي حققها المسلمون في حروبهم مع الفرس وبالإضافة إلي ذلك كله كان دائما ما تأتي الردود السريعة من المسلمين علي أى إجراء من جانب الفرس فعندما لجأ الفرس إلي سد نهر الفرات فجنحت سفن خالد بن الوليد في المياه المتجهة من أَمغِيشيا إلى الحيرة.

فتوجه خالد سريعا إلى المنطقة ومعه فرقة من جيشه وقاتل القائمين علي ذلك وفتح نهر الفرات وسد الأنهار الفرعية فإنساب الماء مرة أخرى في نهر الفرات وأبحرت السفن الإسلامية مرة أخرى من أَمغِيشيا إلى الحيرة فكان لهذا الرد السريع أثره على هروب الحاكم الفارسي من الحيرة وتركها لأهلها وأيضا نرى رد الفعل السريع للقعقاع بن عمرو نائب خالد في الحصيد والخنافس وكانتا مهددتين بجيشين من الفرس.

وكانت أغلبية الجيش الإسلامي موجودة في دومة الجندل فأرسل عروة بن الجعد إلى الخنافس وأرسل أبا ليلى بن فدكي السعدي إلى الحصيد ولم ينتظر قدوم خالد وإستشارته في الأمر وكان هذا مما أحبط الفكرة الفارسية في الهجوم على الحصيد والخنافس .

أسلوب خالد في التحرك بجيشه وتأمينه لفتوحاته

كان لكل جيش من جيوش خالد أثناء تحركه مقدمة تكتشف الطريق وتحدث الرعب في قلوب الفرس وكان لهذه المقدمة من القوة والمهارة ما يزلزل الجيوش الفارسية وكان على رأس هذه المقدمة دائما المثنى بن حارثة الشيباني وكان إختياره من حسن تدبير وحكمة سيدنا خالد لأن المثنى هو أعلم المسلمين بأرض فارس والعراق كما كان يجيد اللغة الفارسية كما كان خالد يؤمن مؤخرة جيشه أيضا.

ورأيناه عندما ترك الأبلة وتوجه إلى فتح الحيرة ترك على الأبلة حامية من ثلاث جهات نظرا لأهميتها وترك سويد بن المقرن المزني كقائد لهذه الحامية في الحفير للسيطرة على المنطقة الجنوبية وظل سويد في مكانه يحمي هذه المنطقة حتى غادر خالد بن الوليد العراق إلى الشام وكان الغرض الأساسي من ذلك ألا يتعرض جيشه لأى حركة تطويق أو إلتفاف تعرضه لخطورة الإبادة أو التشتت.

كما أنه كان يدير معاركه طبقا للإستراتيجية التي ألزمه بها الخليفة بحيث يكون علي حافة صحراء العرب ولا يعبر نهر الفرات إلى أرض السواد بين نهرى دجلة والفرات المليئة بالقنوات والمجارى المائية حتي إذا ما تحرج موقفه لا قدر الله في أى معركة يمكنه الإنسحاب إلي هذه الجهة والتي لن يجرؤ الفرس علي دخولها نظرا لعدم درايتهم بمسالكها ودروبها وهو الأمر الذى لا يتحقق له إذا ما قرر عبور نهر الفرات لمواجهة الفرس.

وتعرض جيشه للهزيمة أو الإنكسار وبحيث يمكنه إعادة تعبئة جيشه وإعادة تنظيمه وحشد جنده ثم مواصلة القتال مرة أخرى في جولات جديدة وهو مالم يحدث له طوال حروبه في العراق .

إحتفاظ خالد بعنصر الأمن لجيشه اثناء تحركاته

وكذلك كان خالد محافظا دائما علي عنصر الأمن لجيشه في أى تحرك له فرأيناه عندما شعر أن الجناح الأيمن لجيشه مهدد من قبل جيش قارن الذي كان قادما من المدائن ناحية الميزار فوجدناه يعبر شط العرب ويتقابل مع جيش قارن في شرق دجلة فأمن بذلك الجناح الأيمن للجيش الإسلامي وتقدم بعد ذلك إلى الحيرة وهو آمن على جناحه الأيمن وفي الحقيقة كان هذا تخطيط عسكري في غاية الروعة ولا يتخيل وجود هذا التخطيط إلا بوجود إمكانيات كبيرة من أقمار صناعية وخرائط دقيقة ورصد دائم ودقيق لتحركات الجيش المعادي.

ولكن كانت في حقيقة الأمر المخابرات الحربية الإسلامية في منتهى القوة واليقظة وكانت بقيادة المثنى بن حارثة وكانت ترصد بدقة تحركات الفرس في كل المواقع التي رأيناها ولم تأت موقعة فوجئ فيها المسلمون بجيش فارس وبهذا إستطاع المسلمون إعداد أنفسهم بشكل جيد وأخذ أماكن محددة للمعارك قبل أن يصل الفرس إلى هذه الأماكن والأعجب من هذا الأمر أن ما كان يحدث في داخل البلاط الملكي الفارسي كان يعرفه الجيش الإسلامي.

وكان هذا يأتي عن طريق بعض الفرس الذين أسلموا مع بداية المعارك مع الفرس ولذكاء خالد والمثنى رضي الله عنهما وحكمتهما وحسن تصرفهما كانا يرسلان هؤلاء المسلمين وهم يخفون إسلامهم إلى بلاد فارس فيأتونهم بالأخبار الدقيقة وبالتالي كانت تعرف قيادة الجيش الإسلامي من خلالهم ما يحدث داخل حصون فارس وفيم يفكرون ومدى رعبهم وفزعهم من جيوش المسلمين.

ومن القادة الذين سوف يرسلونهم على رأس الجيوش ومما يدل أيضا على قوة المخابرات الحربية الإسلامية ودقتها وغزارة معلوماتها في الحروب الفارسية القبض على أكيدر بن عبد الملك وكان زعيما للعرب في موقعة دومة الجندل مع الجودي بن ربيعة القائد الآخر للعرب في هذه الموقعة والذى إختلف معه على قتال سيدنا خالد بن الوليد وقال أكيدر لا نصبر على قتال خالد وتركه وهرب في الصحراء في إتجاه الشمال.

لكن عيون خالد بن الوليد ومخابراته إستطاعت أن تلقي القبض عليه في الصحراء وقتله خالد بن الوليد لأنه كان قد غدر بالمسلمين وحاربهم في دومة الجندل بعد أن أعطى في العام التاسع الهجرى رسول الله صلي الله عليه وسلم قبل وفاته عهدا ألا يقاتل المسلمين وكل ماسبق يدلنا علي أن الجيش الإسلامى قد أخذ بالأسباب بصورة عظيمة جدا في حروبه مع فارس.

ولم يترك الأمر إلى الإعتماد على الله فقط دون الأخذ بالأسباب ولكنه بذل أيضا من الأسباب الكثير فتحقق له النصر بعون الله وتوفيقه في جميع معاركه في العراق تحت قيادة سيف الله المسلول عبقرى الحرب خالد بن الوليد رضي الله عنه .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب وأي نسخ أو تعديل أو تضمين للمقال يتم من خلال الكاتب / أ. طارق بدراوي .

انتظرونا في الحلقات القادمة مع أحداث جديدة من حياة الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه من سلسلة الشخصيات الإسلامية العظيمة، نتعرف معا عن قرب عليها ونلقي الضوء على جوانب حياتية ومعلومات قيمة لا يعرفها الكثيرون فتابعونا ،،
شارك الخبر

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *