![شخصيات إسلامية: أبو عبيدة بن الجراح - الحلقة الثانية 5 شخصيات إسلامية: أبو عبيدة بن الجراح – الحلقة الثانية](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/02/3_20240227_205344_٠٠٠٢.png)
أبو عبيدة وعمر وأبو بكر في إجتماع سقيفة بني ساعدة
ولما وصل أبو عبيدة، وعمر، وأبو بكر إلى سقيفة بني ساعدة، أراد عمر أن يبدأ بالكلام، فأسكته أبو بكر قائلا “رويدا حتى أتكلم” ثم تكلم بكل ما أراد أن يقول عمر، وبدأ أبو بكر كلمته فحمد الله وأثنى عليه ثم قال “إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، رسولا إلى خلقه وشهيدا على أمته، ليعبدوا الله ويوحدوه. وهم يعبدون من دونه آلهة شتى، ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ولهم نافعة، وإنما هي من حجر منحوت وخشب منجور”.
ثم قرأ من سورة يونس {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وقال أيضا في سورة الزُمر {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}.
فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم، فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه، والإيمان به، والمواساة له، والصبر معه، على شدة أذى قومهم لهم، وتكذيبهم إياهم، وكل الناس لهم مخالف فلم يستوحشوا لقلة عددهم، وشنف الناس لهم وإجماع قومهم عليهم فهم أول من عبد الله في الأرض.
وآمن بالله، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أولياؤه وعشيرته٠، وأحق الناس بهذا الأمر، من عبيده ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم، أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام، رضا الله بكم أنصارا لدينه، ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وجعل إليكم هجرته، وفيكم جلة أزواجه، وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم.
فنحن الأمراء، وأنتم الوزراء، لا تفتانون بمشورة، ولا تقضى دونكم الأمور، وكان من الطبيعي، أن يحتج المهاجرون على كلام سيد الخزرج “سعد بن عبادة” ولذا كان ما قاله أبو بكر رضي الله عنه، ولما سمع الأنصار كلام أبي بكر قالوا منا أمير ومنكم أمير، ولن نرضى بدون هذا أبدا فقال سعد بن عبادة هذا أول الوهن، وقام الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصارى الخزرجي السلمي ويكنى أبا عمر، وكان يقال له ذو الرأى.
فقال “يا معشر الأنصار، إملكوا عليكم أمركم، فإن الناس في فيئكم وفي ظلكم ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم، أنتم أهل العز والثروة، وأولو العدة، والمنعة والتجربة ذوو البأس، والنجدة، وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، ولا تختلفوا، فيفسد رأيكم، وينتقض عليكم أمركم أبى هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير”
فرد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على الحباب قائلا “هيهات لا يجتمع إثنان في قرن ووالله لا ترضى العرب، أن يؤمروكم ونبيها من غيركم، ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها، من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم، ولنا بذلك على من أبى من العرب الحجة الظاهرة، والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وإمارته ونحن أولياؤه، وعشيرته إلا مدل بباطل، أو متجانف لإثم، أو متورط في هلكة”.
فقام الحباب بن المنذر فقال “يا معشر الأنصار إملكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم ما سألتموه، فأجلوهم عن هذه البلاد وتولوا عليهم، هذه الأمور فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم، فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين”.
ونلاحظ هنا أن الحباب قد لج في الخصومة، وإستعمل في خطبته ألفاظا شديدة، وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة، إذا لم يولوهم الخلافة، وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدا إذن يقتلك الله فقال الحباب بل إياك يقتلك وهنا قال “أبو عبيدة بن الجراح” رضي الله عنه “يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل .
![شخصيات إسلامية: أبو عبيدة بن الجراح - الحلقة الثانية 16 (أبو عبيدة) مبايعة أبى بكر الصديق](https://alhekayah.com/wp-content/uploads/2024/02/1_20240227_205343_٠٠٠٠.png)
مبايعة أبى بكر الصديق
مبايعة أبي بكر الصديق بالخلافة
وعندئذ قام بشير بن سعد الأنصارى “فقال يا معشر الأنصار، إنا والله كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين، وسابقة في هذا الدين ما أردنا به إلا رضا ربنا، وطاعة نبينا، والكدح لأنفسنا، فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ألا إن محمدا صلى الله عليه وسلم من قريش، وقومه به أحق، وأولى وأيم الله، لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبدا فإتقوا الله، ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم”.
فأراد أبو بكر بحكمته أن يضع حدا لهذا الخلاف، خشية إستحكامه فرشح للخلافة إثنين من المهاجرين، قائلا هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا، فقالا لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين، وثاني إثنين إذ هما في الغار، وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
على الصلاة والصلاة أفضل دين المسلمين، فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك ،أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك، نبايعك فلما ذهبا ليبايعاه، سبقهما إليه بشير بن سعد الأنصارى رضي الله عنه، فبايعه فكان بذلك أول من بايع أبا بكر، وتبعه عمر، علما منه بمكانته، وإعترافا بفضله.
ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وعمر رضي الله عنهما، وما تدعو إليه قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أسيد بن حضير رضي الله عنه، الذى كان قد أصبح سيدا للأوس، بعد إستشهاد سعد بن معاذ رضي الله عنه بعد غزوة الخندق، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، وكان أحد المشهود لهم بالعقل، وأحد النقباء قوموا إلى أبي بكر فبايعوه.
ثم أقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب، وأقبلت قبيلة أسلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك، فبايعوا فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه “يقول ما هو إلا أن رأيت أسلم٠، فأيقنت بالنصر” وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذى كان يومئذ مريضا، كما أسلفنا وكان لا يستطيع النهوض، وحدثت بينه وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنه مشادة.
وأخيرا حمل سعد، وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس، وبايع قومك، فقال “وأيم الله لا أفعل حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدى وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي وأيم الله لو أن الجن إجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي”.
وكان هذا ما أجاب به سعد بن عبادة من دعوته إلى مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد إمتناعه عن البيعة وليس له أنصار، ولا أغلبية لقد طمع في الخلافة، وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رمق من حياتهم، إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه، فلما علم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
بما قال سعد قال له عمر رضي الله عنه “لا تدعه حتى يبايع” فقال له بشير بن سعد الأنصارى رضي الله عنه “إنه قد لج وأبى وليس بمبايعكم حتى يقتل وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده وأهل بيته وطائفة من عشيرته فإتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد”.
وهكذا كان لهذا الصحابي الجليل بشير بن سعد الأنصارى رضي الله عنه، دور مشهود في حسم أمر مبايعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بالخلافة، وتوحيد كلمة المسلمين، سواء المهاجرين أو الأنصار على خليفة وقائد واحد إرتضوه جميعا.