شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد – الحلقة الثالثة

شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد – الحلقة الثالثة
شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد - الحلقة الثالثة

إنتظار خالد وصول عياض بن غنم للحيرة، وإنتظر خالد بن الوليد رضي الله عنه في الحيرة حوالي ثلاثة شهور من شهر ربيع الأول حتي شهر جمادى الآخرة عام 12 هجرية دون قتال قضاها في تنظيم شؤونها والدعوة إلى الإسلام وحشد ما يمكن حشده من الجند من القبائل التي دخلت في الإسلام بعد فتح الحيرة تدعيما لجيش المسلمين.

وقام خالد بتشكيل حامية من أبرع فرسان المسلمين على رأسهم المثنى بن حارثة الشيباني الذى كان حتى فتح الحيرة قائدا لمقدمة جيش المسلمين كانت مهمتها تأمين الطرق التي تربط بين الحيرة وكتسفون أو المدائن ورصد أى تحركات مضادة من جانب الفرس من اجل إستعادة الحيرة وطرد المسلمين منها كما أنه كان ينتظر وصول عياض بن غنم الفهرى رضي الله عنه.

والذى كان قد كلفه الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه بفتح دومة الجندل ثم عليه دخول العراق من شماله قاصدا الحيرة فتوجه إلى دومة الجندل وحاصرها ولكنها إستعصت عليه لشدة بأس الجيش الفارسي بها ولشدة الحصون والقلاع الموجودة في هذه المنطقة ثم جاءت قبائل العرب الموالية للفرس فحاصرته والتي كان منها قبائل كلب وبهراء وغسان وتنوخ والضجاعم.

ولما بلغت خالد هذه الأخبار بعد أن راسله عياض وطلب منه العون فإستخلف نائبه القعقاع بن عمرو التميمي علي الحيرة وتقدم هو ليقوم بعمل عياض .

فتح الأنبار وعين التمر ودومة الجندل

وتحرك خالد شمالا وبدأ بفتح حصن الأنبار شمالي الحيرة لكي يؤمن قاعدته بها وقد سميت هذه المعركة بذات العيون لأن جيش خالد فقأ فيها عيون ألف من مقاتلي الأنبار حيث وجدهم أهل الحصن يقفون عليه مكشوفين لرماته فأصدر أوامره برشقهم بالسهام وكان فتح هذا الحصن في شهر رجب عام 12 هجرية ثم تقدم خالد بن الوليد إلى عين التمر ليؤمن مؤخرته وهو في طريقه لدومة الجندل.

وإنتصر فيها على الجيوش الفارسية المتحدة مع الجيوش العربية بقيادة عقة بن أبي عقة ونذكر أن خالد إنتصر على الجيش العربي أولا في منطقة تسمى الرمالية قبل أن يتقدم لعين التمر ثم تقدم وفتح حصن التمر وأسر عقة بن أبي عقة لما رآه أمام جيشه يخطب فيهم فهجم عليه بنفسه وحمله حملا وعاد به لجيشه وتم ضرب عنقه.

وبذلك طهر خالد مساحة كبيرة من الأرض من أى حصون فارسية أو عربية موالية للفرس وبذلك أمن جيشه من أى إحتمال لتطويقه وحصاره لضربه في مؤخرته أو في مجنبتيه وهكذا كان يفعل عبقرى الحرب خالد ين الوليد دائما خلال حملته في العراق حيث كان حريص كل الحرص على توفير عنصر الأمن لجيشه أثناء أى تحرك له ومن ثم فمن عين التمر تعمق شمالا في الصحراء.

خالد بن الوليد رضي الله عنه الحلقه الثالثه
خالد بن الوليد رضي الله عنه الحلقه الثالثه

وهو في أمان تام حتى وصل إلى دومة الجندل لمساعدة عياض بن غنم في فتح حصنها الأمر الذى تحقق له حيث إنتصر علي القبائل التي كانت تحاصر عياض بن غنم إنتصارا حاسما ثم أخذ طريقه للعودة إلى الحيرة مصطحبا معه عياض وجنوده .

فتح الحصيد والخنافس والمصيخ والثني والزميل

وفي أثناء وجود خالد في دومة الجندل تجمعت الجيوش الفارسية في الحصيد والخنافس شمالي الحيرة فأرسل القعقاع بن عمرو التميمي نائب خالد علي الحيرة جيشين إليهما لمقابلة جيوش الفرس فلما وصل خالد بن الوليد إلى عين التمر إتخذها مقرا له وأرسل حيشين آخرين لمساعدة الجيشين اللذين أرسلهما القعقاع بن عمرو إلى الحصيد والخنافس وحقق جيش المسلمين النصر في الحصيد وجمع الكثير من الغنائم.

وكان ذلك في شهر شعبان عام 12 هجرية وعندما علم الجيش الفارسي في الخنافس بهزيمة الفرس في الحصيد القريبة جدا منهم إنسحب من الخنافس وتم للمسلمين فتحها دون قتال ثم تواعد خالد بن الوليد والقعقاع بن عمرو وأبو ليلى بن فدكي السعدي على فتح المصيخ القريبة أيضا من الحصيد والخنافس وقد تم ذلك للمسلمين في شهر شعبان عام 12 هجرية أيضا.

ثم تقدم خالد بن الوليد من المصيخ إلى شمال العراق حيث الثني والزميل وإنتصر المسلمون في موقعة الثَني أيضا بعد أن حاصروها من ثلاث جهات وكانت المعركة معركة ليلية ثم تقدم في الليلة نفسها إلى موقعة الزميل وتم فتحها أيضا ولم يفلت من الثني أو الزميل أحد من الفرس والعرب المشركين والنصارى في هذين المكانين وكان هذا كله في شهر شعبان عام 12 هجرية.

معركة الفراض
معركة الفراض

معركة الفراض

وبعد أن أنهي خالد هذه المرحلة تقدم من الزميل إلى الرباط ولكنه وجد أن الرباط قد خلت من سكانها عندما علموا بهزيمة الثني والزميل وكانت أرض الرباط تقع في أقصى شمال العراق وكانت أرض رومية تقع في الحدود الرومية وليس في بلاد فارس وكانت تبعد عن الحيرة بمسافة أكثر من 800 كيلو متر ثم عاد خالد بن الوليد من الرباط إلى الفراض وهي يشمال العراق وكانت تمثل آخر حدود الإمبراطورية الفارسية مع الروم.

وإتخذها مقرا له وبدأ في إعادة تنظيم وتوزيع الجيوش الإسلامية في المنطقة وتوزيع الحاميات بعد أن تمت كل تلك الفتوحات وقضى فيها شهرى رمضان وشوال عام 12 هجرية ثم أتى شهر ذى القعدة في نفس السنة وتجمعت في هذه المنطقة الجيوش الفارسية مع الجيوش الرومانية التي إستعان بها الفرس مع نصارى العرب لحرب المسلمين.

ووقعت بين هذا الجيش الخليط وجيش المسلمين موقعة الفراض في يوم 15 من شهر ذى القعدة عام 12 هجرية والتي حقق فيها المسلمون النصر وقتل من جيوش الفرس والروم والنصارى مائة ألف قتيل حيث كانت هذه الجيوش تفتقد وحدة القيادة والتنظيم الجيد ووحدة الهدف .

خالد بن الوليد يؤدى فريضة الحج
خالد بن الوليد يؤدى فريضة الحج

عودة جيش المسلمين إلى الحيرة وإنصراف خالد بن الوليد لأداء الحج

وبعد الإنتصار الذى حققه المسلمون في معركة الفراض أمرهم خالد بالتوجه إلى الحيرة وأمَر عليهم عاصم بن عمرو التميمي قائد ميمنته وتوجه هو ومعه بعض من أصحابه علي ظهور الخيل من الفراض إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج وبالفعل تم له الحج دون أن يستأذن الخليفة أبا بكر الصديق والذى كان يحج هو الآخر في نفس الوقت إلا أن خالد تعمد ألا يراه الخليفة.

وعاد خالد وصحبه من مكة إلى الحيرة بأقصى سرعة ودخلوا الحيرة مع وصول آخر جندي من جنود المسلمين إليها ولم يعلم الجيش بغياب قائده خالد بن الوليد ولا بحجه إلا عندما رأوه هو وأصحابه مقصرين ومحلقين ولما علم الخليفة بحج خالد وعدم إستئذانه عاتبه على هذا التصرف عتابا شديدا قائلا له إياك أن تعود لمثل ذلك ولا يمكننا بالطبع موافقة خالد على هذا التصرف إلا أنه كانت له أسبابه.

والتي سنتعرض لها في ختام تلك الحلقات عن سيرة الصحابي سيف الله المسلول عبقرى الحرب خالد بن الوليد حيث كان واثقا تمام الثقة في قادته وأركان حربه الذين عاشوا معه على ظهور الخيل عاما كاملا وأنهم سوف يحسنون التصرف في غيابه ومع بداية العام الثالث عشر الهجرى بدأ خالد يعد العدة ويعيد تنظيم جيشه وتعبئته إستعدادا للخطوة الكبرى القادمة المنتظرة.

وهي فتح كتسفون أو المدائن العاصمة الأولي للفرس وحاضرة ملكهم والإستيلاء على إيوان كسرى وكسر شوكة الإمبراطورية الفارسية وإسقاطها .

خطاب الخليفة لخالد بن الوليد بالإنتقال ومعه نصف الجيش من العراق للشام

واثناء تلك الإستعدادات كانت هناك مفاجأة لخالد بن الوليد فقد أتاه خطاب من الخليفة أبي بكر الصديق يأمره بأن ينتقل من الحيرة إلى الشام وبصحبته نصف جيش العراق وأن يترك النصف الآخر تحت قيادة المثنى بن حارثة الشيباني وذلك لنجدة أمراء جيوش المسلمين بالشام الذين إستعصت عليهم هزيمة الجيوش الرومانية الكثيفة الموجودة هناك وتحرج موقفهم وموقف جيوشهم مع إحتمال تعرضهم لخطر الحصار والتطويق.

حيث كان الخليفة قد أرسل عدد 4 جيوش لجبهة الشام إلى فلسطين والأردن ودمشق وحمص ولم يجعلها جيشا واحدا حتى يفتت قوى الروم الذين يمتلكون جيوشا جرارة إلا أنها لم تحقق نتائج ملموسة ومن ثم أصبحت جبهة الشام في حاجة إلي فكر وذهن عسكرى جديد وفي حاجة إلي قائد فذ ذو رؤية يستطيع بها أن يضع سيناريو المعركة الفاصلة المرتقبة بين المسلمين والروم في الشام ويكون قادرا علي تعبئة وتنظيم الجيش التعبئة المناسبة للمعركة المحورية المرتقبة.

وبإختصار أصبحت جبهة الشام في حاجة إلي خالد بن الوليد فهو من تنطبق عليه هذه المواصفات ومن ثم قال سيدنا أبو بكر الصديق قولته الشهيرة والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد الوليد وكان تقدير الخليفة للموقف أن جبهة العراق مستقرة وأصبحت كل الأراضي غربي نهر دجلة من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال في قبضة المسلمين كما أن البلاط الفارسي كانت قد وقعت به فتنة من أجل الصراع على الحكم بعد وفاة كسرى أردشير.

ولم يكن له عقب ومن ثم فلن يتمكن الفرس من حشد جيوشهم ضد المسلمين قبل إنهاء هذه الفتنة وإلى أن يتحقق ذلك يتم حشد مقاتلين جدد والدفع بهم لجبهة العراق وبالفعل قسم خالد الجيش إلى نصفين كل قسم تسعة آلاف حيث بقي مع المثنى بن حارثة الشيباني تسعة آلاف في الحيرة وتوجه هو بتسعة آلاف من الحيرة إلى الشام في رحلة شاقة إجتاز فيها سيدنا خالد بجيشه شمال صحراء السماوة من العراق إلى الشام في مخاطرة كبيرة حيث لا ماء في هذه الصحراء إلا بعد مسيرة 4 أيام.

وكان الهدف من إختياره هذا الطريق هو الوصول بأقصي سرعة إلي الشام لنجدة جيوش المسلمين هناك وكان وصول خالد بن الوليد إلي الشام مفاجأة إستراتيجية كبرى أربكت الروم ووقعت عليهم كالصاعقة .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب وأي نسخ أو تعديل أو تضمين للمقال يتم من خلال الكاتب / أ. طارق بدراوي .

انتظرونا في الحلقات القادمة مع أحداث جديدة من حياة الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه من سلسلة الشخصيات الإسلامية العظيمة، نتعرف معا عن قرب عليها ونلقي الضوء على جوانب حياتية ومعلومات قيمة لا يعرفها الكثيرون فتابعونا ،،

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *