(أبو عبيدة بن الجراح) هو أبو عبيدة عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أُهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، وهو المكنى بقريش بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وهو من نسل نبي الله إسماعيل عليه السلام القرشي الفهرى رضي الله عنه، صحابي من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من السابقين إلى الإسلام، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم، في الجد العاشر فهر بن مالك بن النضر، فالنبي صلى الله عليه وسلم، من نسل غالب بن فهر، وأبو عبيدة من نسل الحارث بن فهر، وقد إشتهر بكنيته أبي عبيدة، والنسبة إلى جده فيقال له أبو عبيدة بن الجراح، وقد لقبه النبي صلى الله عليه وسلم، “بأمين الأمة” حيث قال “إن لكل أمة أمين، وأميننا هو أبو عبيدة بن الجراح”.
وهو ينتسب إلى بني فهر بن مالك، وهم بطن من بطون قريش، تفرع منه عدة فروع منهم بنو الحارث بن فهر، وهو الجد الخامس لأبي عبيدة رضي الله عنه، وبنو أسد بن فهر، وبنو عوف بن فهر، وبنو غالب بن فهر، الجد التاسع للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبنو محارب بن فهر، وكان من أعلام بني فهر بن مالك، بخلاف الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه.
الصحابي ضرار بن الخطاب الفهرى، وكان ميلاد الصحابي أبي عبيدة بن الجراح، في العام الأربعين قبل الهجرة، وكان أبوه الخطاب، ممن شاركوا في حرب الفجار، وهي إحدى حروب العرب في الجاهلية.
ووقعت بين قبائل كنانة، ومنها قريش، وبين قبائل قيس عيلان، ومنها هوازن، وغطفان، وسليم، وثقيف، وسميت بالفجار، لما إستحل فيه هذان الحيان من المحارم بينهم في الأشهر الحرم، ولما قطعوا فيه من الصلات والأرحام، بينهما وكانت بدايتها بسبب خلافات بين أفراد من الحيين على بعض المعاملات التجارية بسوق عكاظ.
تحولت إلي خصومة، وعداء، وقتال، إستمر قرابة 10 سنوات، من عام 43 قبل الهجرة، حتى عام 33 قبل الهجرة، وخلال أحد أيام تلك الحرب جهز الخطاب بن مرداس والد الصحابي ضرار بن الخطاب جيش من قبائل كنانة، ومنها قريش ضد قبائل هوازن وثقيف، وأحلافهم.
وتمكن هو وعبد الله بن جدعان، وخويلد بن أسد، وكانا من كبار زعماء وسادة قريش في الجاهلية أيضا، أن يهزموا قبائل هوازن وثقيف وخزاعة في وادى المغمس، والذى يقع شمال شرق عرفات، قرب مكة بعد قتال شرس إستمر عدة أيام.
وقد شاركت في القتال في هذا اليوم المشهود، معظم بطون قريش مثل بني عبد المطلب، وكان عليهم الزبير، والعباس، إبنا عبد المطلب بن هاشم، عما النبي صلى الله عليه وسلم، وبني الحارث بن فهر، وكان عليهم عبد الله بن الجراح، والد أبي عبيدة بن الجراح، وبني محارب بن فهر، وكان عليهم ضرار بن الخطاب، وبني أمية.
وكان عليهم حرب بن أمية والد أبي سفيان بن حرب، وبني مخزوم، وكان عليهم هشام بن المغيرة المخزومي، والد أبي جهل عمرو بن هشام بن المغيرة، وبني جمح، وكان عليهم أمية بن خلف، وبني نوفل بن عبد مناف، وكان عليهم مطعم بن عدى بن نوفل، وبني عدى.
وكان عليهم زيد بن عمرو بن نفيل، عم عمر بن الخطاب، وبني عامر وكان عليهم، عمرو بن عبد شمس، والد سهيل بن عمرو العامرى، وبني سهم وكان عليهم، العاص بن وائل، والد عمرو بن العاص وبني عبد الدار وكان عليهم عامر بن عكرمة بن هاشم .
صفات أبي عبيدة بن الجراح وقصة إسلامه وهجرته
ولم تذكر لنا المصادر التاريخية أى تفاصيل عن نشأة وحياة الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله، عنه قبل الإسلام، غير أنه كان نحيفا طويل القامة، معروق الوجه، خفيف اللحية، كما عرف بالحكمة والفطنة والذكاء، وحسن التصرف، والرأى السديد، وإشترك مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
بذلك فكان الناس يقولون داهيتا قريش أبو بكر وأبو عبيدة بن الجراح، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس معادن، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا.
وعن صفاته الخلقية فقد كان أبو عبيدة، وضئ الوجه، بهي الطلعة، ترتاح العين لرؤيته، وتأنس النفس للقياه، ويطمئن الفؤاد إليه، متواضعا شديد الحياء، وكان يدعى بين الصحابة بالقوى الأمين.
وكان إسلام الصحابي الجليل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، في بداية الدعوة، قبل أن يدخل النبي محمد صلى الله عليه وسلم، دار الأرقم بن أبي الأرقم على، يد أبي بكر الصديق رضي الله عنه، هو والصحابة الكرام عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص، وكلهم من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم جميعا.
حيث بعد أن أسلم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، إنطلق يدعو أصحابه سرا للإسلام، وأسلم مع ابي عبيدة أيضا، الصحابة عثمان بن مظعون، وعبيدة بن الحارث، إبن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، إبن عمته، وأخوه في الرضاعة رضي الله عنهم جميعا.
ومنذ لحظة إسلامه الأولى عاهد أبو عبيدة رضي الله عنه الله، على أن ينفق حياته في سبيل الله، وكان مدركا تمام الإدراك ما تعنيه هذه الكلمات الثلاث في سبيل الله، وكان على أتم إستعداد أن يعطي هذا السبيل كل ما يتطلبه من بذل، وتضحية.
ومنذ بسط يمينه مبايعا رسوله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يرى في نفسه، وفي أّيامه، وفي حياته كلها سوى أمانة إستودعها الله إياها، لينفقها في سبيله وفي سبيل مرضاته، فلا يجرى وراء حظ من حظوظ نفسه، ولا تصرفه عن سبيل الله رغبة، ولا رهبة، وقد حفظ الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، القرآن الكريم منذ تباشير فجره الأولى.
هجرة أبي عبيدة بن الجراح
وأوذى في سبيل الله، من مشركي مكة هو والكثير من المسلمين، فصبر وهاجر إلى أرض الحبشة، الهجرة الثانية لكنه لم يطل به المقام، هناك وعاد مرة أخرى إلى مكة، وبعد بيعة العقبة الثانية، ومع بداية هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة، هاجر أبو عبيدة بن الجراح من مكة إلى المدينة المنورة، فنزل على الصحابي الأنصارى كلثوم بن الهدم الأوسي.
وهو الذى نزل لديه النبي صلى الله عليه وسلم، عند قدومه إلى المدينة المنورة لمدة 4 أيام، قبل أن ينزل بدار الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصارى الخزرجي النجارى رضي الله عنه، وبعد وصول النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إلى دار الهجرة.
آخى بين المهاجرين والأنصار، وقد روى الإمام مسلم في الصحيح عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، آخى بين أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وبين أبي طلحة الأنصارى، وهو زيد بن سهل بن الأسود الخزرجي الأنصارى رضي الله عنه .
ابو عبيدة ما بين غزوة بدر وحتى عمرة القضاء
ومرت الأيام بالمسلمين بالمدينة المنورة، وجاءت غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في يوم 17 رمضان، عام 2 هجرية، الموافق يوم 13 من شهر مارس عام 624م، وأبلى مع غيره من المهاجرين والأنصار بلاءا حسنا، وقد تناقلت كتب المغازى والتاريخ والتفسير أن أبا عبيدة رضي الله عنه قتل أباه يوم بدر كافرا.
وانه في البداية تحاشى مواجهته، لكنه لما رآه يشتد على المسلمين، تصدى له وتمكن من قتله وقيل إنه نزلت فيه آية سورة المجادلة {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
ومن جانب آخر أفاد البعض أن هذه الوقعة غير صحيحة، وأن اباه كان قد مات قبل البعثة، وبعد بدر شهد أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه غزوة أحد، التي وقعت في يوم 7 شوال عام 3 هجرية الموافق يوم 23 مارس عام 625م، وكان من الذين ثبتوا في ميدان المعركة، بعدما إنكشف المسلمون، بعد أن خالف الرماة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعدم ترك مواقعهم مهما كانت نتيجة المعركة.
فلما صارت المعركة في البداية في صالح المسلمين، ظنوا أن المعركة قد إنتهت فتركوا مواقعهم من أجل جمع الغنائم، مخالفين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشن المشركون هجوما مباغتا على المسلمين، ووصلوا إلى مكان النبي صلى الله عليه وسلم.
فكان أبو عبيدة بن الجراح من المدافعين عنه، وبعد إنتهاء المعركة، قام بنزع الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة النبي، بثنيتيه فانقلعت ثنيتا، فصار أهتما فكان يقال له أجمل أهتم في المدينة وتورى السيدة أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
أنه جاء أبو بكر، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله، عنهما لنجدة النبي صلى الله عليه وسلم، فقال أبو عبيدة بن الجراح لأبي بكر “أسألك بالله يا أبا بكر إلا تركتني فأنزع الحلقتين من وجنة رسول الله صلى الله عليه وسلم” فتركه أبو بكر رضي الله عنه فأخذ أبو عبيدة بن الجراح بإحدى ثنيته إحدى حلقتي المغفر فنزعها وسقط على ظهره وسقطت ثنيته ثم أخذ الحلقة الأخرى، بثنيته الأخرى فسقطت فصار أهتما.
وبعد ذلك شهد أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، غزوة الخندق أو الأحزاب، في شهر شوال عام 5 هجرية، وغزوة بني قريظة في شهر ذى القعدة من نفس العام، وفي شهر ربيع الأول عام 6 هجرية، بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة رضي الله عنه، في أربعين رجلا إلى ذى القصة قرب المدينة المنورة في سرية، حيث كان قد بلغه أن بعض القبائل يريدون أن يغيروا على سرح المدينة، وهو يرعى يومئذ بمحل بينه وبين المدينة سبعة أميال.
فصلوا المغرب ومشوا ليلتهم حتى وافوا ذا القصة مع الصبح، فأغاروا عليهم فأعجزوهم هربا في الجبال، وأسروا رجلا واحدا، وأخذوا نعما من نعمهم ورثة أى ثيابا، خلقةً من متاعهم، وقدموا بذلك إلى المدينة، فخمسه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأسلم الرجل الأسير فتركه وفي شهر ذى القعدة من نفس العام.
شهد أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، مع النبي صلى الله عليه وسلم، والمسلمين بيعة الرضوان، وصلح الحديبية، وفي شهر المحرم عام 7 هجرية، شهد غزوة خيبر وفي شهر ذى القعدة من نفس العام شهد عمرة القضاء .
جهاد أبي عبيدة بعد عمرة القضاء وحتى غزوة تبوك
وفي شهر جمادى الآخرة عام 8 هجرية، وردت الأنباء للنبي صلى الله عليه وسلم، بأن قبيلة قضاعة تجمع جموعا بهدف غزو أطراف المدينة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص أن يخرج إليهم، وعقد له لواء أبيض وجعل معه راية سوداء، وبعثه في سرية، تضم ثلاثمائة من سراة المهاجرين، والأنصار، ومعه ثلاثون فرسا، وأمره أن يستعين بمن يمر به من قبائل بلي، وعذرة، وبلقين، ولما إقترب عمرو رضي الله عنه من القوم بلغه أن عددهم كبير، فبعث رافع بن مكيث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يطلب منه المدد.
فقام النبي محمد بإمداده بمائتين من المهاجرين، والأنصار، برئاسة أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وعقد له لواء، وكان فيهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما، وأمر أبا عبيدة أن يلحق بعمرو. وأن يكونا جميعا ولا يختلفا، فلحق المدد بعمرو فأراد أبو عبيدة بن الجراح أن يؤم الناس للصلاة، فقال له عمرو إنما قدمت علي مدد،ا وأنا الأمير وأصر عمرو، أن يبقى رئيسا على الجميع، فقبل أبو عبيدة وسار عمرو بالسرية، حتى دخل بلاد بلي، وإستمر في طريقه حتى أتى إلى أقصى بلادهم، وبلاد عذرة، وبلقين، حتى نزلوا ذات السلاسل.
وهي وراء وادى القرى، وبينها وبين المدينة المنورة مسيرة عشرة أيام، وبها سميت هذه السرية، وتقاتل عمرو مع مقاتلي قضاعة، فهربوا، وتفرقوا، وبعث عمرو رضي الله عنه، عوف بن مالك، بريدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يخبره بإنتصارهم، وعندما هرب جيش قضاعة، أراد بعض المسلمين ملاحقتهم، فرفض عمرو ذلك ثم أراد بعض المسلمين أن يوقدوا نارا للتدفئة، فرفض عمرو أيضا.
فلما عادوا إشتكوا للنبي صلى الله عليه وسلم، فسأل عمرو، لم فعلت ذلك فبرر عمرو هذا الموقف ،للنبي محمد قائلا، كرهت أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فيعطفوا عليهم، وكرهت أن يوقدوا نارا فيدرك عدوهم قلتهم من نيرانهم، فحمد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لعمرو بن العاص، ما فعل وفي الشهر التالي رجب عام 8 هجرية، بعث الرسول محمد صلى اللَّه عليه وسلم، أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، في ثلاثمائة من المهاجرين، والأنصار.
وكان فيهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ليرصدوا عيرا لقريش، فوصلوا الى ساحل البحر الأحمر، على بعد مسيرة 5 ليالي عن المدينة، وأقاموا هناك شهرا كاملا، ولم يكن معهم الا جرابا من تمر، فكان أبو عبيدة رضي الله عنه، يعطي كل واحد منهم تمرة واحدة في اليوم، والليلة، فكان كل منهم يمصها كما يمص الصبي ثدى أمه ثم يشربون عليها الماء.
فتكفيهم يومهم إلى الليل حتى نفذ التمر، فأصابهم جوع شديد حتى أكلوا أوراق الشجر، ولذلك أطلق علي هذه السرية سرية، الخبط حيث أن الخبط هو ورق الشجر الذى يسقط على الأرض، اذا خبطت على الشجرة، فظلوا كذلك حتى تقرحت شفاهم، وفجأة ألقى عليهم البحر حوت ضخم، فأكلوا منه نصف شهر، حتى سمنوا ولما قدموا المدينة المنورة، ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال أكلتم رزقا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بلحم منه، حيث كانوا قد صنعوا منه قديدا.
وحملوه معهم وفي شهر رمضان من نفس العام الثامن الهجرى شهد أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه فتح مكة وفي الشهر التالي شوال من نفس العام شهد غزوة حنين ضد قبائل هوازن وثقيف ثم شهد حصار الطائف في شهر ذى القعدة من نفس العام وفي شهر رجب عام 9 هجرية شهد غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم .
جميع الحقوق محفوظة للكاتب وأي نسخ أو تعديل أو تضمين للمقال يتم من خلال الكاتب / أ. طارق بدراوي .