ضغوط العمل تلتهم أخر ما تبقي من صحه الفرد النفسية
تحدى هو أم تعجيز يمارسه اصحاب النفوذ والقرار على الأفراد الذين يسعوا دوما للسير للأمام متحملين كافة الأعباء تاركين ورائهم صحتهم لا يشغلهم شاغل غير العمل المتواصل مقيدين أنفسهم بألتزامات ومسؤليات تجاه عملهم مجردين تماماً من الراحة متقبلين أقصي الاعباء التى لا يتحملها او حتى يستوعبها العقل البشري من أجل بلوغ الهدف المرجو ، مُنتظرين فقط تقديراً ولكن يقابلهم خذلان شديد مما يدفعهم للأنسحاب التام ، ولأن مجتمعنا لم تعد كالسابق وأصبحت الحياة مليئه بالمسؤليات التى تُحتم فرض ضغوطات على الاشخاص من كافة النواحى خاصة تلك المتعلقة بالعمل وما ينجم عنها من مشاكل تظل كامنه فى نفوس الافراد ، موقع الحكاية توجه إلى مجموعة متخصصة فى هذا المجال ليوضحوا لنا المشاكل النفسية الناتجة عن ضغوطات العمل .
وفى مقابله مجموعة من المصابين بضغوطات العمل تحدث معنا كل منهم عن تجربته واسبابه الخاصه ، ولكن الجدير بالذكر أننا بالفعلا وجدنا مشاكل نفسية عديدة ناجمه عن تلك الضغوط لاتزال تاركه أثراً سلبياً فى نفوس هؤلاء الأفراد يُصعب عليهم تجاوزها .
هل بالضرورى أن يستنذف الفرد طاقته لأجل تسديد ضريبة العمل ؟
يقف “عبد الله ” عامل النظافة ، صامداً طوال اليوم على قدميه لممارسه عمله حتى فى أيام العطل الرسمية وفى كافة الظروف القاسية دون تعويض ، عُرضه للأمراض وللضغوطات و المضايقات من قبل الأخرين بدون كلل أو ملل منه وعلى الرغم من ذلك فأنه لم يشتكى إبداً ، فيغادر منزلة فى الصباح الباكر للبحث عن رزقه ، و اضف بأن ضغوط العمل لا تعد ولا تحصي ، بداية من الراتب الضئيل الذي لا يكفي ابدا لاحتياجات أسرتى إلى الاهمال الصحي الذى ألقيه يومياً فأنا مُعرض للأصابة بمختلف الامراض نتيجه لمختلف النفايات و القمامة التى اتخلص منها يومياً لكى أحافظ على نظافة الحى ، اعترف بأنها مهنته لا تعرف الرأفة أو الرحمة ابداً قائلاً ” لما عامل بيمرض مين المسؤول عنه ” ؟ هل سيتم تعويضه عن هذا الضرر أو من سيهتم بعائلته واطفاله ؟ ، اضف لذلك انه يتم تكليفى بأعمال اضافية غير المطلوبه منى دوماً حيث يُطلب منى تنظيف شوارع و محطات ليست من مهامى ، تقدر تقول متعود على الشقا ، بالاضافة إلى النظرات التى تحمل فى طايتها مزيج من الاحتقار و الإهانه ممزوج بالاستخفاف و التقليل من شخصك من قبل المواطنين لمجرد انك عامل نظافة ، فالسعي وراء لقمة العيش صعب ولكن لابد منه خاصة فى ظل الاوضاع الاقتصادية التى نعاني منها و التى تُفرض علينا تقبل الضغوطات وكافة المضايقات والكثير من الأهانات دون البوح بكلمة واحدة ، مستكملاً : أنا اعول أسرة كبيرة ليس لديها سواي .
معاناة الروتين اليومي
محمد عباس ، موظف فى مطبعة يعمل فيها منذ عده سنوات ويعتبر من أقدم الموظفين فى المطبعة ، يشكو من معاناته مع الروتين اليومى المصاحب للرقابة المكثفة و المراجعة المطولة لجميع المطبوعات و الأوراق المطلوبة ، بجانب إستناد الأعمال الإضافية التى ليست من تخصصه بل يتحتم عليه إنجازها و يحدث ذلك فى الغالب نتيجه لعدم التنسيق الجيد بين المطبعة و بين المصمم المسؤول عن اعمال العملاء ، مما يتسبب فى حدوث اخطاء غير مقصودة وغير متعمدة بالطبع تثر غضب العميل وتدفعه للانفعال ، مستكملاً بأن حدوث اى خطأ وارد جدا مع ذلك ابذل اقصي جهودي لتقديم المطلوب منى بأعلى جوده و بأقل اخطاء ممكنه ولكن فى المقابل لا احظى بأى ثناء او تقدير لما تقدمه.
الطلبة ايضا تعاني الضغط النفسي
علياء عطية ، طالبة بكلية الفنون جميلة ، تروي لنا الضغط النفسي الذي تعرضت له فى الكلية من كثرة المشاريع والتسليمات التى لابد ان تقوم بها على أكمل وجه ، لتتخلص من هذا المشروع لتقابل عشرات المشاريع الأخري المنتظرة والتى تُرفض من الدكاترة والمعيدين و تقوم بإعدادها مرات عدة و تقدمها مرة أخري بصدر رحب لكى تُرفض من جديد وتدخل فى دوامه من الضغط المستمر والقلق المسيطر عليك وعلى كل تفكيرك فى محاولة أخرى منك تصبر بها نفسك قائلاً ” خلاص هانت و هتعدى بس للأسف لو عدت المردي فى ألف مشروع تانى مستنيك مش هيعدي ” ثم تنهدت قليلاً و قالت : هذا عامى الرابع فى الكلية ولاتزال اكبر مشاكلى ليست فقط الضغوطات التى اتعرض لها بل مشكلتى تكمن فى عدم التقدير و غياب المساوة مع طبعاً اخذ اقل بكثير مما استحق ، وتابعت بأن هناك نوعيه من الدكاترة تتعمد حجب المعلومات عن الطلاب الخاصة بالمشروع المراد تنفيذه ، ليجعلوا الطالب حائر فى أمره لا يمتلك ادنى فكرة عن ماذا سيفعل فى المشروع محملاً نفسه المسؤوليه الكاملة ، بداية من فكرة المشروع و الادوات والمعدات اللازمة إلى التنفيذ الفعلي والمراجعة والتعديل دون أى تدخل أو مساعدة ، لتقابل بعد كل هذا العناء رد فعل غير متوقع ابدا من الرفض القاطع للمشروع مع العلم بأن هناك محاولات سابقة من قبل الطلاب للسؤال عن وجود أى اخطاء او تعديلات معينة او حتى اقترحات للتنفيذ ولم يكن يوجد هناك رد علينا، كأنه يتعمد أن يجعل الطالب يبذل أقص جهوده هدراً وعبثاً .
غياب التقدير و الثناء من قبل الأخرين
لم تمنع ضغوطات العمل ، بتول ، سكرتيرة مكتب من الاستمرار فى العمل و السعي وراء تطوير ذاتها لتواكب التغير المطلوب لبيئه وسوق العمل ، موضحة بأن مشكلة ضغوطات العمل تتمثل بشكل أساسي فى عامل واحد يغفل اغلبنا عنه وهو غياب التقدير و الثناء من قبل الأخرين ، حيث يتم التعامل معك على انك مجرد اَله يتحتم عليها انجاز كافة الاعمال المطلوب للنهوض اولا بالعمل و من ثم لكسب الرزق ، فمهما حاولت كسب الخبرة للوصول للترقية التى تستحقها لا تجد أي تغير يحدث ، فجهل الكثير أهمية التحفيز تُفقد الفرد الحماس ويحوله إلى مجرد مصدراً للرزق، مستكمله فالاعباء الثقيله التى تُفرض علينا كفيلة بأستنذاف كافة طاقتنا وجهدنا ووقتنا وتعد بمثابه الثقل الذي يُحمل على عاتقنا ، بالإضافة إلى كثرة الالتزامات التى تحاصرك دوما مع غياب الاحترام و التقدير من قبل العملاء بدون اعطائك الحق فى الرد حتى لا تخسر وظيفتك مما يدفعك لتقبل سخافتهم بصدر رحب ومقدماً المساعدة لهم ، والجدير بالذكر بأنك تدرك بمرور الوقت بأنك لم تكن أكثر من مجرد اَله فى عين من حولك.
أثر ضغوطات العمل على الصحة النفسية
انتقلنا بعد ذلك للتحدث مع د. محمد حسين دكتور الطب النفسي عن ضغوطات العمل وتأثيرها على الصحة النفسية وهل بالضرورى اصابت كل العاملين بحاله نفسية ، شرح لنا كل هذا واكثر قائلاً :
لكى نوضح أثر ضغوطات العمل على الصحة النفسية فلابد اولاً ان نعرف ما المقصود بها ، وهى حالة شعورية عادة تكون غير مريحة تحدث نتيجه لعدم قدرة الفرد على تلبية متطالبات العمل الذي يتواجد به أو انه لا يستطيع تجاوز مشكلة معينة يتعرض لها، فهى ببساطة كافة المجهودات الجسدية والذهنية التي تُصيب الفرد أثناء عمله ، أى يمكننا القول بأن التعرض لعنصر معين او متغير محدد فى حياتنا يتطلب منا التكيف يعتبر” ضغط ” و رد الفعل على حدث معين يعتبر فى حد ذاته “ضغط ”
اذا فالضغط هو ذلك المتغير الذي يتطالب منا التكيف معه سواء أكان إيجابياً أو سلبياً ، مشيرا إلى ان الزمن الحالي هو زمن الضغوطات وتابع حديثه بتعبير ينم عن مدى غضبه حينما قال العصر الذي نعيش فيه هو أقل رأفة و رحمة بنا وبأنفسنا ، واشار إلى الأسباب التى فى الغالب تدفع الفرد للإحباط وهى الازمات الاقتصادية التى نعانى منها ، بالإضافة إلى ضغوطات الحياة العامة فنحن لسنا فقط موظفين فى عمل بل أفراد تعول أسر لدينا التزامات عدة ، بالإضافة إلى العديد من العوامل الخارجية ، واضاف بأن نمط شخصية الفرد من المؤشرات التى تحدد تأثير الضغط علينا ، فكل شخص لدية قدرة تحمل و خبرات سابقة تختلف عن غيره ، فبالتالي إدراكنا للأشياء من حولنا مختلف تماماً ، والجدير بالذكر بأن طريقه تفكير الفرد تجاه مشكلة معينه قد تكون حافزاً لتخطيها أو منبعاً لأستقطاب المشاكل، وفسر بأن الضغط ليس سلبيا دوما ، موضحاً بأن اتمام عملاً ما بشكل جيد يتطلب قدر معين من الضغط كالتوتر مثلا من أجل ان يدفعنا للأنجاز ولكن ألا يتجاوزعن الحد الصحي حتى لا يؤدي إلى تدهور فى الاداء.
راحة المريض الصحية والنفسية هى مسؤولية الطبيب
وألتقينا بدكتور هشام عادل أبو العينين إستشاري امراض المخ والأعصاب ، لينقل لنا الحالة النفسية و العصبية التى قد يمر بها الفرد نتيجه لتعرضه لضغوطات معينة ، ويروي لنا تجربته الخاصة مع ضغوطات العمل قائلاً :
” كل مريض يتعرض لطبيب مخ و اعصاب يأخذ من عمره ” قالها الدكتور “نبيل هاشم ” رحمه الله عليه ، موضحاً مدي المسؤولية والثقل الذي يحمله الطبيب على عاتقه تجاه مرضاه ، مؤكداً بأن راحة المريض الصحية والنفسية هى مسؤولية الطبيب لطالما تردد المريض على عيادته ، فنحن مطالبون بفهم معاناته وتقديم المساعده له ، مشيراً إلى ان ضغوطات العمل من الامور المرهقة علينا جميعا
نصائح لمواجهة ضغوط العمل
من خلال الاحاديث التى اجرينها توجهنا إلى سلمي الوالي ” لايف كوتش ” لتنقل لنا صورة توضيحية ونصائح عن المساعدة الذاتية لتجاوز الحالة النفسية الناجمة عن ضغوط العمل والتغلب عليها قائلة: ان التجارب التى مر بها الفرد و الاتجاة النفسي لتلك التجارب هى التى تؤثر على جميع احكام ذلك الشخص ، بمعنى ان الفرد ينتقي الاثار السلبية التى مر بها و يبني عليها كل افكاره ، لذلك فأستقبالنا لمشكلة ما تختلف من شخص لأخر، فأغلب ضغوطات العمل التى دائما ما نقابلها عاده يكون سببها هى الاثار السلبية او التجارب السلبية الخاطئة التى مررنا بها ، فهناك أشخاص معينه مهما حاولت تحفيزهم لن تستطيع اقناعهم بإى شيء لطالما هم مقتنعين بعكسه
جاءت اهم النصائح فى هذا الصدد متمثلة فى : ضرورة اعطاء النفس هدنة بتخصيص وقت للراحة و الاستجمام و ترك كافة الالتزامات والمسؤليات عند باب العمل فبمجرد خروجك منه يخرج معك تلك الاعباء ، وان تعطى لأهلك كل وقتك فهم احق عليك من اهداره فى التفكير بضغوطات العمل التى لا تنتهى.
اعطى لنفسك حق النسيان و الاخفاق و كذلك الخطأ احيانا متذكرا بأننا بشر و من حقنا ان نخطأ فهو أمر وارد، وتجنب الافكار السلبية قد المستطاع فاليأس بداية الموت ، فعندما تشعر بأنك لا تستطيع التحمل توقف و ارح عقلك أواطلب المساعدة و الأغاثة من الاخرين ، ولكن لو اشتد بك الامر لا تتردد ابداً فى الذهاب لطبيب نفسي ، حاول تجاهل كافة الاصوات التى تدعوك بفاشل واستمع فقط بالصوت الذي ينبع من داخلك الذي يطمأنك بأنك لطالما بذلت اقصي ما لديك ولن تبلغ هدفك فهذا لا يجعل من الأمرعبثاً ولا هدراً بل يجعله ضرورياً لتنضج و تتعلم
كما اضافت “مدربة التنمية البشرية ” بأن كلما ادراك الفرد حدوده الشخصية و لاحظ الاشياء التى تحزنه كلما استطاع ان يتخطها بأقل الخسائر، وتابعت بأن الفرد لابد ان يوازن بين عمله وحياته ، وأشارت بأن الرياضة و الاهتمام بالنفس جميعهم عوامل تخفف من الضغط و تترك شعورا إيجابي فى نفس الفرد .
ويبقي السؤال هنا ، هل سنترك ضغوطات العمل تتحكما بنا وتستنذف طاقتنا و تدمر صحتنا النفسية ؟! و تذكر بأنك ستعانى طوال حياتك ولن تجد الراحة التى تبحث عنها ابداً اذا تركت زمام الاموار وتراجعت مستسلماً يائساً ضعيفاَ دون ان تأخذ أى موقف تاركاً الظروف القاسية تحسم نهايتك.
إرسال التعليق