مطاردة جند المسلمين لجند الروم ومقتل قائدهم ماهان في الحلقة الاخيرة من زيد بن أبي سفيان.
ولاحظ الجند المسلمون أن قائدهم خالد بن الوليد رضي الله عنه لم يتواجد مساء اليوم السادس بعد إحراز النصر وإنتهاء المعركة في معسكر المسلمين بل شوهد مساء اليوم التالي في المعسكر حيث كان خالد قد تابع وفريقه فلول ماهان المتجهة إلى دمشق وإشتبك معهم.
ليقتل ماهان على يد أحد المقاتلين المسلمين حيث قطع رأسه وصرخ والله قد قتلت ماهان وكانت العادة السائدة آنذاك في الحروب أن تنتهي المعركة بهرب جنود الجيش المنهزم وإنسحابهم من ميدان المعركة ولذلك فكان آخر ما توقعه القائد الرومي ماهان وجنوده المنهزمون هو متابعة خالد بن الوليد رضي الله عنه وجنوده ومطاردته لهم وهكذا كتب الله النصر للمسلمين في اليرموك
والتي كانت معركة من أعظم المعارك الإسلامية وأبعدها أثرا في حركة الفتح الإسلامي في بلاد الشام فقد لقي جيش الروم أقوى جيوش العالم يومئذ هزيمة قاسية وفقد زهرة جنده وقد أدرك إمبراطور الروم هرقل الذى كان في حمص حجم الكارثة التي حلت به وبدولته فغادر سوريا نهائيا وقلبه ينفطر حزنا وقد ترتب على هذا النصر العظيم.
أن إستقر المسلمون في بلاد الشام وإنفتح لهم الطريق لكي يستكملوا فتح مدنه جميعا ثم واصلوا مسيرة الفتح إلى الشمال الافريقي حيث تم فتح مصر ومن بعدها أفريقية وهي تونس الحالية وبعد هذه المعركة المحورية في فتوحات الشام .
زيد بن أبي سفيان في معركة فحل
بدأ الروم يجمعون قواهم في أحد حصونهم المنيعة في مدينة بيلا التي تقع على إرتفاع 150 متر تحت سطح البحر وتطل على غور الأردن على بعد حوالي 50 كم جنوبي نهر اليرموك وكان هذا التجمع للروم في تلك المنطقة يشكل خطرا محدقا على جيش المسلمين المتوغل شمالا نحو دمشق وحمص لأن أى هجوم يقوم به الروم شرقا سيؤدى إلى قطع خطوط الإمدادات من الجزيرة العربية.
فقرر أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه الذى كان قد تولى القيادة بدلا من خالد بن الوليد رضي الله عنه بعد أن عزله عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذى كان قد أصبح هو الخليفة بعد وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الإنسحاب جنوبا من وسط سوريا لتدارك الخطر في أغوار الأردن وإلتقى الجيشان قرب بيلا التي سار أبو عبيدة إليها وبعث خالد بن الوليد على المقدمة وعلى القلب شرحبيل بن حسنة.
وكان على المجنبتين أبو عبيدة وعمرو بن العاص وعلى الخيل ضرار بن الأزور وعلى الرجالة عياض بن غنم وكان أهل فحل قد قصدوا بيسان فنزل شرحبيل بجنده فحل وكان الروم قد قاموا بشق قنوات مائية من بحیرة طبریة وسلطوا میاهها على الأراضي المحیطة بالمدینة لمنع تقدم جیش المسـلمین فكانت بين جيش المسلمين وجيش الروم مياه وأوحال.
ولذا كانت العرب تسمي تلك الغزوة ذات الردغة وبيسان وفحل وفرض جیش شرحبیل بن حسـنة حصارا شدیدا على فحل وإستهدف حرمان الروم من إستغلال التحصینات المائیة التي أقاموها وكان لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبئة ودار بين الطرفين قتال شديد طوال النهار وحتى أظلم الليل عليهم.
وتمكن جيش المسلمين من دفعِ قوات الروم نحو الغرب بإتجاه القنوات والمستنقعات المائية الدفاعية التي أقاموها وإنتهت المعركة بإنتصار المسلمين نصرا حاسما وأصيب قائد الروم وفر الجنود فلحقهم المسلمون وقتلوا الكثير منهم وسقط عدد كبير منهم في الطين والأوحال فوخزوهم بالرماح وهزم الروم شر هزيمة وكانوا ثمانون ألفا لم يفلت منهم إلا الشريد.
وأكرم الله المسلمين وهم كارهون فقد كرهوا المياه والطين والأوحال فكانت عونا لهم على عدوهم وغنموا أموالهم فإقتسموها وهكذا سیطر المسلمون بعد معركة فحل على بیسان وتلتها طبریة حيث كانت أنباء إنتصارات شرحبیل بن حسـنة رضي الله عنه قد بلغت أهل طبریة فتهیأوا للصلح وتركوا فكرة القتال أمامه.
ثم واصلت قواته تقدمها بإتجاه بقیة مدن الأردن لتحریرها من الروم وإضطر سكان تلك المدن إلى طلب الأمان وكتبت عهود الصلح في كل مكان بمنح الأمان لهؤلاء السكان على أرواحهم ودورهم وأموالهم وأراضيهم وكنائسهم ومعابدهم مقابل الجزية .
فتح دمشق وإستكمال فتح مدن الشام
وعاد المسلمون من الأردن وإتجهوا نحو دمشق فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة وحاصر جيش المسلمين المدينة وتحصن أهلها داخل أسوارها وأغلقوا أبوابها وكان لديهم أمل بوصول نجدة من الشمال على وجه السرعة تفك الحصار عن المدينة ووزعت مهام الحصار بأن نزل أبو عبيدة على باب الجابية وخالد بن الوليد على الباب الشرقي.
ويزيد بن أبي سفيان على باب كيسان وعمرو بن العاص على باب الفراديس وشرحبيل بن حسنة على باب توما وعمد أبو عبيدة إلى عزل المدينة عمن حولها وقطع جميع إتصالاتها مع العالم الخارجي حتى يجبر حاميتها على الإستسلام فأرسل ثلاث فرق عسكرية تمركزت إحداها على سفح جبل قاسيون على مسافة خمسة كيلومترات إلى الشمال من المدينة عند قرية برزة.
والثانية على طريق حمص لكي يحول دون وصول الإمدادات من الشمال وقطع الإتصالات بينها وبين القيادة البيزنطية والأخيرة على الطريق بين دمشق وفلسطين لقطع طريق الجنوب وطال أمد الحصار على الدمشقيين والذى دام سبعين ليلة وقيل أربعة أشهر وكذلك ستة أشهر.
وإزداد التوتر بينهم وبخاصة بعد أن إنسحبت الحامية البيزنطية من مواقعها تاركةً للدمشقيين تدبير أمرهم بأنفسهم ولما يئسوا من وصول نجدة تنقذهم وتجلي المسلمين عن مدينتهم وهنت عزيمتهم ومالوا إلى الإستسلام وكان ذلك على الأرجح في منتصف عام 15 هجرية الموافق منتصف عام 636م وقيل في أواخر عام 14 هجرية.
وقام الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه بإستخلاف يزيد بن أبي سفيان على دمشق وعمرو بن العاص على فلسطين وشرحبيل بن حسنة على الأردن ومن دمشق خرج يزيد بن أبي سفيان غربا إلى ساحل الشام ففتح صيدا وعرقة وجبيل وبيروت وكان على مقدمته أخوه معاوية بن أبي سفيان.
وكان كلما فتح مدينة جعل لها حامية تكفيها ومع توسع حركة الفتوحات في بلاد الشام ودخول العديد من أهل البلاد المفتوحة في الإسلام كتب يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه للخليفة عمر رضي الله عنه قائلا له إن أهل الشام قد كثروا وملأوا المدائن ويحتاجون إلى من يعلمهم القرآن الكريم ويفقههم فأعني برجال يعلمونهم.
فدعا عمر أهل مشورته فقال إن إخوانكم قد استعانوني من يعلمهم القرآن الكريم ويفقههم في الدين فأعينوني يرحمكم الله بثلاثة منكم إن أحببتم أنتدبهم فليخرجوا فخرج الصحابة معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأبو الدرداء رضي الله عنهم أجمعين فقال عمر رضي الله عنه إبدأوا بحمص.
فإنكم ستجدون الناس على وجوه مختلفة منهم من يلقن فإذا رأيتم ذلك فوجهوا إليه طائفة من الناس فإذا رضيتم منهم فليقم بها واحد وليخرج واحد إلى دمشق والآخر إلى فلسطين فقدموا حمص فكانوا بها حتى إذا رضوا من الناس أقام بها عبادة بن الصامت رضي الله عنه وخرج أبو الدرداء رضي الله عنه إلى دمشق ومعاذ بن جبل رضي الله عنه إلى فلسطين .
وفاة يزيد بن أبي سفيان في طاعون عمواس
وفي العام الثامن عشر من الهجرة روع الشام بوباء لعين ومهلك عرف بطاعون عمواس أفنى أعدادا هائلة من المسلمين كان منهم الصحابي يزيد بن ابي سفيان رضي الله عنه ولما إحتضر إستعمل أخاه معاوية على عمله فأقره عمر على ذلك إحتراما ليزيد بن أبي سفيان وتنفيذا لإختياره ومكث هذا الوباء عدة أشهر ومات فيه نحو خمسة وعشرين ألفا من المسلمين.
وقد بدأ هذا الوباء من قرية تسمى عمواس ثم انتشر حتى عم الشام كلها وكان ممن مات في هذا الوباء اللعين القاتل على سبيل المثال لا الحصر غير الصحابي يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه الصحابة الكرام أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وزوجتيه وإبنه عبد الرحمن وسهيل بن عمرو وإبنه أبو جندل وشرحبيل بن حسنة والحارث بن هشام بن المغيرة والفضل بن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنهم أجمعين ورحمهم الله رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
وجزاهم الله عنا وعن الإسلام خير الجزاء ولما خلف يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه في ولاية دمشق أخوه معاوية رضي الله عنه كان مما يروى في هذا الشأن أنه لما ولى الخليفة الراشد الثاني الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أولا يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه ما ولاه من الشام خرج إليه معاوية رضي الله عنه إليه فقال أبو سفيان بن حرب لزوجته أم معاوية هند بنت عتبة ين ربيعة كيف ترين صار إبنك تابعا لإبني فقالت له إن إضطرب حبل العرب.
فستعلم أين يقع إبنك مما يكون فيه إبني فلما مات يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه بالشام ولى الخليفة عمر شقيقه معاوية مكانه فقالت هند لمعاوية رضي الله عنه والله يا بني إنه لقل ما ولدت حرة مثلك وقد إستنهضك هذا الرجل فإعمل بموافقته أحببت ذلك أم كرهت وقال له أبو سفيان يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا فرفعهم سبقهم وقصر بنا تأخرنا فصاروا قادة وصرنا أتباعا.
وقد ولوك جسيما من أمورهم فلا تخالفهم فإنك تجرى إلى أمد فنافس فيه فإن بلغته أورثته عقبك وهكذا كانت سيرة الصحابي يزيد بن أبي سفيان وأبيه أبي سفيان وشقيقه معاوية المشركين اللدودين الذى تحولوا الى مؤمنين أوابين فكانوا من أولئك الطلقاء الذين تجاوزوا هذا الخط بإخلاصهم الوثيق وسموا الى آفاق بعيدة من التضحية والعبادة والطهر.
وضعتهم في الصفوف الأولى بين أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم الأبرار وتحول ثلاثة من كبار زعماء قريش وقادة جيوشها الى مقاتلين أشداء وقادة في سبيل نصرة الاسلام مقاتلين عاهدوا الله أن يظلوا في رباط وجهاد في سبيل الله حتى يدركهم الموت وهم على ذلك الحال عسى الله أن يعفو عنهم ويغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم أيام شركهم.
وكم هو عظيم منهج ديننا الحنيف الذى يقبل ألد أعدائه إذا دخلوا فيه ويكرمهم ويحفظ لهم مكانتهم فلم يكن هناك من هو أشد عداءا للإسلام من أبي سفيان بن حرب الذى كان زعيما للوثنية وأبنائه وزوجته لكن الله أكرمهم وبعد إعراض وعناد طويلين عن الإسلام إستمر أكثر من عشرين عاما هداهم الله للإسلام وحسن إسلامهم.
وخرجوا مجاهدين في سبيل رفع راية الإسلام ونصرة الإسلام والمسلمين من أجل نشر دين الله الحنيف في شتى بقاع الأرض فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفي بالإسلام نعمة والحمد لله على نعمة الإيمان والحمد لله على نعمة النبي العدنان محمد صلى الله عليه وسلم .
جميع الحقوق محفوظة للكاتب وأي نسخ أو تعديل أو تضمين للمقال يتم من خلال الكاتب / أ. طارق بدراوي .
وبهذا قد أنهينا الحلقة الأخيرة من أحداث جديدة من حياة الصحابي الجليل يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه من سلسلة الشخصيات الإسلامية العظيمة، نتعرف معا عن قرب عليها ونلقي الضوء على جوانب حياتية ومعلومات قيمة لا يعرفها الكثيرون فتابعونا ،،