شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد – الحلقة الثامنة

شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد – الحلقة الثامنة
شخصيات إسلامية: خالد بن الوليد - الحلقة الثامنة

تحركات الروم بعد هزيمتهم في معركة اليرموك، توقفنا في الحلقة السابقة عند تحقيق جيش المسلمين بقيادة سيف الله المسلول خالد بن الوليد النصر على الروم في معركة اليرموك في شهر رجب عام 13 هجرية. ثم ورود خبر وفاة الخليفة أبي بكر الصديق وتولي عمر بن الخطاب الخلافة وخطاب إلى أبي عبيدة بن الجراح بتوليته القيادة العامة لجيش المسلمين في الشام بدلا من خالد بن الوليد الذى تقبل الأمر بكل روح رياضية وسلم القيادة لأبي عبيدة.

ووضع نفسه تحت تصرفه فكان من كبار قادته ومستشاريه في كل تحركات لجيش المسلمين في بلاد الشام وبعد الهزيمة التي لحقت بالروم في معركتي أجنادين واليرموك إنسحبت فلول القوات البيزنطية إلى دمشق وتحصنت فيها في حين عاد تذارق شقيق هرقل وأحد قادة الروم إلى العاصمة الرومية القسطنطينية وكان هرقل يتابع تطورات الموقف العسكرى فأمر بتجميع القوات البيزنطية المنتشرة في جنوبي الشام.

في فحل الواقعة على الطريق بين الأردن ودمشق وأرسل في الوقت نفسه جيشا من حمص يقدر بعشرة آلاف مقاتل بإتجاه دمشق وذلك بِهدف الإطباق على المسلمين من الجنوب والشمال والقضاء عليهم وإنقاذ دمشق عاصمة الشام وأهم مدنه التي كان المسلمون يستهدفون فتحها ثم غادر حمص إلى أنطاكية ولما بلغ الجيش بعلبك توقف وإستقر الجند في المدينة وكتب القائد إلى هرقل ينتظر تعليماته وكنتيجة لِهذه التطورات العسكرية عقد أبو عبيدة وخالد إجتماعا تشاورا فيه بشأن كيفية الخروج من هذا المأزق.

فتقرر أن يهاجم خالد بن الوليد القوة البيزنطية المتمركزة في بعلبك لِمنعها في التقدم ومساعدة القوى البيزنطية في جنوبي الشام ومن جهة أخرى تلقت قيادة الجيش البيزنطي في بعلبك أمرا من هرقل بالتقدم إلى الجنوب والإنضمام إلى القوة المتمركزة في فحل وكان هذا التجمع للروم في تلك المنطقة يشكل خطرا محدقا على جيش المسلمين المتوغل شمالا نحو دمشق وحمص لأن أى هجوم يقوم به الروم شرقا سيؤدى إلى قطع خطوط الإمدادات من الجزيرة العربية.

ويقطع أيضا خط الرجعة على جيش المسلمين إذا أراد التراجع جنوبا لأى سبب وعندما وصل خالد بن الوليد إلى بعلبك على رأس خمسة آلاف مقاتل لم يجد فيها الجيش البيزنطي وعلم أن أفراده توجهوا إلى الاردن فأغار على نواحي المدينة وعاد إلى أبي عبيدة سريعا أمام دمشق فأخبره الخبر وتشاور معه في الأمر فتقرر أن يسير أبو عبيدة بجموع المسلمين إلى فحل لضرب القوة البيزنطية المتمركزة هناك وأن يتقدم خالد الجيش كطليعة على أن يبقى يزيد بن أبي سفيان حول دمشق .

معركة فحل
معركة فحل

معركة فحل

وكان الروم أثناء ذلك قد قاموا بجمع قواهم في أحد حصونهم المنيعة في مدينة بيلا التي تقع على إرتفاع 150 متر فوق سطح البحر وتطل على غور الأردن على بعد حوالي 50 كم جنوبي نهر اليرموك وإلتقى الجمعان في معركة فحل في غور الأردن قرب مدينة بيلا الرومية في أول شهر ذى الحجة عام 13 هجرية الموافق يوم 25 يناير عام 635م وهي تسمى في المراجع الغربية واليونانية بإسم معركة بيلا حيث إلتقى الجيشان قرب مدينة بيلا التي سار أبو عبيدة إليها.

وبعث خالد بن الوليد على المقدمة وعلى القلب شرحبيل بن حسنة وكان على المجنبتين أبو عبيدة وعمرو بن العاص وعلى الخيل ضرار بن الأزور وعلى الرجالة عياض بن غنم الفهرى وكان أهل فحل قد قصدوا بيسان فنزل شرحبيل بجنده فحل وكان الروم قد قاموا بشق قنوات مائية من بحیرة طبریة وسلطوا میاهها على الأراضي المحیطة بالمدینة لمنع تقدم جیش المسـلمین فكانت بين جيش المسلمين وجيش الروم مياه وأوحال.

ولذا كانت العرب تسمي تلك الغزوة ذات الردغة وبيسان وفحل وفـرض جیش شرحبیل بن حسـنة حصارا شدیدا على فحل وإستهدف حرمان الروم من إستغلال التحصینات المائیة التي أقاموها وكان لا يبيت ولا يصبح إلا على تعبئة ودار بين الطرفين قتال شديد طوال النهار وحتى أظلم الليل عليهم وتمكن جيش المسلمين من دفعِ قوات الروم نحو الغرب بإتجاه القنوات والمستنقعات المائية الدفاعية التي أقاموها.

وإنتهت المعركة بإنتصار المسلمين بعد أن قذفوا البيزنطيين في الوحول التي حاولوا هم قذفهم فيها وقاموا بوخزهم بالرماح وقتل منهم ما يقارب عشرة آلاف مقاتل كان قائدهم سقلار من بينهم وتفرق من نجا منهم في مدن الشام ولحق بعضهم بِهرقل في أنطاكية وبذلك أكرم الله المسلمين وهم كارهون فقد كرهوا المياه والطين والأوحال فكانت عونا لهم على عدوهم وغنموا أموالهم فإقتسموها وفد فتحت هذه المعركة الطريق أمام المسلمين حيث سيطروا على جميع مدن وقرى إقليم الأردن مثل بيسان وطبرية.

حيث كانت أنباء إنتصارات جيش المسلمين قد بلغت أهل طبریة فتهیأوا للصلح وتركوا فكرة القتال أمام المسلمين فإضطر السكان إلى طلب الأمان فكتبت لهم عقود الصلح في كل مكان دخله المسلمون بمنح الأمان على أرواح المغلوبين وأموالهم وأراضيهم وكنائسهم ومعابدهم مقابل الجزية وهكذا سیطر المسلمون بعد معركة فحل على بیسان وتلتها طبریة ثم واصلت قوات المسلمين تقدمها بإتجاه بقیة مدن الأردن لتحریرها من الروم فإضطر أيضا سكان تلك المدن إلى طلب الأمان.

فكتبت لهم ايضا عهود الصلح ومن ثم عاد المسلمون من الأردن وإتجهوا نحو دمشق فأخذوا الغوطة وكنائسها عنوة وحاصر جيش المسلمين المدينة وتحصن أهلها داخل أسوارها وأغلقوا أبوابها وكان لديهم أمل بوصول نجدة من الشمال على وجه السرعة تفك الحصار عن المدينة .

خالد بن الوليد
خالد بن الوليد

معركة مرج الروم

وعندما بلغت أخبار هزيمة الجيش البيزنطي في فحل وحصار جيش المسلمين لدمشق مسامع هرقل عقد مجلسا عسكريا ضم معظم قادته للتشاور ووفد عليه أثناء الإجتماع وفد من أهل قيصارية وبيت المقدس يخبرونه بِتمسكهم بأمره وبِإقامتهم على طاعته وبِخلافهم للمسلمين ويطلبون منه المدد والمساعدة فقرر حينئذ أن يستمر في الحرب ضد المسلمين وأرسل جيشين لوقف الزحف الإسلامي إلى دمشق.

وفك حصارها وحماية حمص وعين عليهما إثنين من خيرة قادته هما توذر وشنس واللذين سارا في طريقين منفصلين ووصل الأول إلى مرج دمشق وغربها وعسكر هناك في حين عسكر الثاني في مرج الروم وهو سهل البقاع اللبناني حاليا وكان أبو عبيدة قد وصل إلى دمشق قادما إليها من فحل وفرض الحصار عليها مع باقي جيش المسلمين فقسم جيشه إلى قسمين قاد هو القسم الأول على أن يصطدم بِجيش شنس وعين خالد بن الوليد على القسم الثاني على أن يصطدم بتوذر.

وعندما وصل خالد بن الوليد إلى مكان جيش توذر لم يجده إذ كان قد غادر المكان تحت جنح الظلام ويبدو أن هذا الإنسحاب كان وفق خطة عسكرية مبيتة تقضي بأن ينهمك المسلمون في قتال جيش شنس في مرج الروم في الوقت الذى ينطلق فيه جيش توذر إلى دمشق لفك الحصار عنها وفطِن خالد لهذه الخطة فطلب من أبي عبيدة أن يسمح له بمطاردة توذر الذى كان يتقدم مسرعا على طريق دمشق ليباغت القوة الإسلامية هناك بِقيادة يزيد بن أبي سفيان.

وعندما علم هذا الأخير بإقتراب القوات البيزنطية إستعد للقائها وإشتبك معها ووصل خالد بن الوليد والمعركة دائرة فوقع الجيش البيزنطي بين فكي كماشة ودارت الدائرة على أفراده وقتل خالد بن الوليد توذر وغنم المسلمون دواب الروم وركائبهم وأدواتهم وثيابهم وعاد يزيد بعد إنتهاء المعركة إلى دمشق لِيستأنف حصارها في حين عاد خالد بن الوليد إلى أبي عبيدة فوجده قد إشتبك مع جيش شنس بِمرج الروم وإنتصر عليه وقتل شنس وفر من نجا من الروم إلى مدينة حمص فطاردهم أبو عبيدة ثم عاد لدمشق لإستئناف حصارها .

فتح دمشق
فتح دمشق

دور خالد بن الوليد وابو عبيدة في فتح دمشق

وبإستكمال حصار دمشق وزعت مهام الحصار بأن نزل أبو عبيدة على باب الجابية وخالد بن الوليد على الباب الشرقي ويزيد بن أبي سفيان على باب كيسان وعمرو بن العاص على باب الفراديس وشرحبيل بن حسنة على باب توما وعمد أبو عبيدة إلى عزل المدينة عمن حولها وقطع جميع إتصالاتها مع العالم الخارجي حتى يجبر حاميتها على الإستسلام.

فأرسل ثلاث فرق عسكرية تمركزت إحداها على سفح جبل قاسيون على مسافة خمسة كيلو مترات إلى الشمال من المدينة عند قرية برزة والثانية على طريق حمص لكي يحول دون وصول الإمدادات من الشمال وقطع الإتصالات بينها وبين القيادة البيزنطية والأخيرة على الطريق بين دمشق وفلسطين لقطع طريق الجنوب وطال أمد الحصار على الدمشقيين والذى دام سبعين ليلة وقيل أربعة أشهر .

وكذلك ستة أشهر وإزداد التوتر بينهم وبخاصة بعد أن إنسحبت الحامية البيزنطية من مواقعها تاركة للدمشقيين تدبير أمرهم بأنفسهم ولما يئسوا من وصول نجدة تنقذهم وتجلي المسلمين عن مدينتهم وهنت عزيمتهم ومالوا إلى الإستسلام وكان ذلك على الأرجح في منتصف عام 15 هجرية الموافق منتصف عام 636م وتتباين روايات المصادر في وصف أيام دمشق الأخيرة قبل دخول المسلمين إليها وفي تحديد كيفية هذا الدخول.

فقد ذكر البلاذرى أن أبا عبيدة دخل المدينة عنوة من باب الجابية ولما رأى الأُسقف منصور بن سرجون أنه قارب الدخول بادر إلى خالد فصالحهُ وفتح له الباب الشرقي فدخل الأسقف معه ناشرا كتاب الصلح وإلتقى خالد بن الوليد مع أبي عبيدة بالمقسلاط وهو موضع النحاسين بدمشق فتحدث بعض المسلمين في ذلك معترضين على عدم جواز صلح خالد بن الوليد كونه ليس أمير الجيش لكن أبا عبيدة أجازه قائلا أنه يجيز على المسلمين أدناهم.

فأمضى الصلح ولم يلتفت إلى ما فتح عنوة فصارت دمشق كلها صلحا وكتب بذلك إلى عمر وأنفذه وروى الإمام محمد بن جرير الطبرى رواية عكسية وهي أن خالد بن الوليد هو من إقتحم المدينة بعد أن تسلق سورها في أحد الليالي ومعه القعقاع بن عمرو التميمي بعد أن علم أن أهل دمشق مشغولون بالإحتفال بميلاد إبن لحاكم المدينة الرومي فإستيقظ السكان مذعورين على جند المسلمين يلجونها ويمعنون في الجنود الروم تقتيلا.

ففتحوا أبواب مدينتهم للفرق الإسلامية الأخرى ولجأوا إلى أبي عبيدة يعرضون عليه الصلح فقبل عرضهم ودخل كل قائد من الباب الذى هو عليه صلحا بإستثناء خالد الذى كان قد دخل عنوة وكان صلح دمشق على المقاسمة على الدينار والعقار وعلى جزية دينار عن كل رأس لِأن جانبا من المدينة فتح عنوة فكان كله حقا للمسلمين في حين فتح جانب منها صلحا وجبت عليه الجزية دون سواها.

لذلك أخذ المسلمون نصف ما في المدينة من كنائس ومنازل وأموال بحكم الفتح عنوة وفرضوا الجزية بحكم الفتح صلحا وذلك بحسب المؤرخ إسماعيل بن كثير وأخذ المسلمون عدد 7 كنائس من أصل 14 القائمة بدمشق كما إقتسموا الكنيسة الكبرى وهي كاتدرائية القديس يوحنا المعمدان مع الدمشقيين فتركوا نصفها للمسيحيين يقيمون فيه صلواتهم وجعلوا النصف الآخر مسجدا جامعا.

وفيما بعد وفي عهد الخليفة الأموى السادس الوليد بن عبد الملك تم بناء المسجد الأموى في موقع هذه الكنيسة فإحتج المسيحيون على هذا الإجراء فأعاد خالد بن الوليد للمسيحيين باقي الكنائس التي كان قد إستولى عليها المسلمون عند فتح دمشق كتعويض مناسب ومرضي لهم وإنتهى البناء قبل وفاته بوقت قصير في عام 96 هجرية الموافق عام 715م وجدير بالذكر أن الأمانة تقتضي منا أن نذكر أن أحداث فتوحات الشام مختلف علي ترتيبها

فإحدى الروايات تفيد بأن معركة فحل وفتح دمشق كانا قبل معركة اليرموك وتفيد روايات أخرى أن معركة اليرموك قد وقعت أولا بعد معركة أجنادين وتلاها معركة فحل وفتح دمشق وقد أخذنا في هذا المقال بالرواية الثانية ونكتفي بهذا القدر في هذا المقال ونكمل مع سيرة سيف الله المسلول خالد بن الوليد وباقي فتوحات الشام في الحلقة القادمة بمشيئة الله تعالى .

جميع الحقوق محفوظة للكاتب وأي نسخ أو تعديل أو تضمين للمقال يتم من خلال الكاتب / أ. طارق بدراوي .

انتظرونا في الحلقات القادمة مع أحداث جديدة من حياة الصحابي الجليل خالد بن الوليد رضي الله عنه من سلسلة الشخصيات الإسلامية العظيمة، نتعرف معا عن قرب عليها ونلقي الضوء على جوانب حياتية ومعلومات قيمة لا يعرفها الكثيرون فتابعونا ،،

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *