هل يعيش العالم الآن عصر انتشار الأمراض النفسية !؟.. قد تكون الإجابة على هذا السؤال مدعاة لقلقنا جميعاً.. ومن خلال قراءة التقارير العالمية وما تتضمنه من الأرقام حول انتشار الأمراض النفسية في العالم اليوم.. والاتجاه إلى زيادة أعداد المصابين بها في كل المجتمعات بغير استثناء.. وهنا في هذا الموضوع نناقش دلالات الأرقام.
وتشير الدراسات التي أجريت في مجتمعات مختلفة في بلدان العالم في الشرق والغرب إلى وجود الأمراض النفسية بنسب متفاوتة في كل مكان ولا يكاد يخلو من أنواعها المتعددة أي مجتمع من المجتمعات، وقد أكدت ذلك دراسات متعددة للأمراض النفسية في دول الغرب المتقدمة وبعض المجتمعات البدائية والدول التي يطلق عليها العالم الثالث، وتدل دراسات أخرى على تشابه أعراض الأمراض النفسية التي تصيب الإنسان في المجتمعات المختلفة من حيث مظاهرها الرئيسية، وإن لوحظ اختلاف في بعض التفاصيل خصوصا المعتقدات التي ترتبط بالمرض النفسي ومفاهيم الناس وتفسيرهم لأسبابها، والأعراض، والطرق التي يلجأ إليها الإنسان للعلاج حيث يختلف ذلك تبعا للخلفية الثقافية والاجتماعية، وتذكر تقارير منظمة الصحة العالمية أن الأمراض النفسية تختلف عن غيرها من المشكلات الصحية الأخرى في أنها تتسبب في الإعاقة، وتمنع المصابين بها من أداء وظائفهم في المجتمع بصورة تفوق غيرها من الأمراض الأخرى، كما أن التقدم الطبي الذي أدى إلى تحسن غير مسبوق في الحالة الصحية الإنسان في بلدان العالم في السنوات الأخيرة، والذي تمثل في التخلص من كثير من الأمراض المعدية التي البترار طويل تحصد الكثير من الأرواح لم يواكبه تطور مماثل في الصحة النفسية حيث أصبحت الأمراض النفسية تشكل تهديدا خطيرا وتحديا للإنسانية في العصر الحالي.
حجم المشكلة بالأرقام :
تشير الإحصائيات الصادرة من منظمة الصحة العالمية إلى تزايد هائل في انتشار الاضطرابات النفسية في العالم نتيجة العوامل كثيرة ومتداخلة نفسية وبيولوجية، واجتماعية، ويمكن من خلال الأرقام الاستدلال على حجم المشكلة حيث إن الاضطرابات النفسية تصيب أعدادا كبيرة من الناس في مختلف مراحل العمر، ومن مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية، وتتسبب في تدهور ومعاناة يمنك تأثيرها من المريض إلى الأسرة والمجتمع. وهنا نقدم بعض الأمثلة من خلال تقارير منظمة الصحة العالمية حول مدى انتشار الأمراض النفسية، فمرض الفصام العقلي ” الشيزوفرنيا ”Schizophrenia يعد من أسوأ الاضطرابات العقلية من حيث تأثيره على التفكير والسلوك والحكم على الأمور وما يتميز به من تدهور في شخصية المريض وميله إلى العزلة والسلوك العدواني، ويبلغ عدد حالات الفصام في بلدان العالم ٤٥ مليون إنسان، وتصل نسبة الإصابة إلى 1% من السكان في أي مجتمع، ويمثل مرضى الفصام أكثر من ٩٠% من نزلاء المصحات والمستشفيات العقلية.
والاكتتاب النفسي Depression يطلق عليه مرض العصر الحالي، وهو أحد أكثر الأمراض النفسية انتشارا، وتؤدى الإصابة بالاكتئاب إلى العزلة وفقدان الاهتمام بالحياة وتزايد احتمالات الانتحار، ويصيب الاكتتاب النساء أكثر من الرجال، ويقدر عدد حالات الاكتتاب في العالم بحوالي ٣٤٠ مليون حالة، ونسبة الإصابة بالاكتتاب تصل إلى ٧% من سكان العالم، ويؤدي إلى ما يقرب من ۸۰۰ ألف حالة انتحار كل عام.
حالات الخرف Dementia :
تحدث عادة في الشيخوخة، وتصاحبها تغيرات في الجهاز العصبي لكبار السن تؤدى إلى تدهور الذاكرة والسلوك وكل العمليات العقلية، وعدد هذه الحالات في دول العالم حوالي ٢٥ مليون شخص في الوقت الحالي، وينتظر أن يزيد هذا العدد ليصل إلى ٨٠ مليون شخص بعد عدة سنوات وتصل احتمالات الإصابة إلى 5% فوق من الستين، وتزيد احتمالات الإصابة إلى ٢٠% فوق سن ٨٠ سنة، ومن المتوقع مع تزايد عدد كبار السن في كل مجتمعات العالم في السنوات القادمة تزايد الحالات المرضية أيضا مع مشكلات رعاية المسنين وأعباء ذلك على الأسرة والمجتمع.
التخلف العقلي Mental Retardation:
ينشأ عن نقص الذكاء وعدم اكتمال نمو العقل، وتتراوح هذه الحالات في شدتها ودرجاتها، وتصل نسبة الإصابة بالحالات المتوسطة والشديدة منها إلى ٢-٤% من السكان، ويقدر عدد الحالات بحوالي ۱۰۰ مليون إنسان، وتعتبر هذه الحالات غير قابلة للعلاج فيما عدا بعض خطوات التدريب والتأهيل المساعدة بعض الحالات. وهناك بعض الأمراض النفسية والعصبية الأخرى التي وردت في إحصائيات منظمة الصحة العالمية والاضطرابات التي تسبب العجز والإعاقة
العقلية مرض الصرع Epilepsy، وهو أحد اكثر الأمراض العصبية انتشارا، ويتميز بنوبات من فقدان الوعي والتشنجات، وله أنواع متعددة وتصل نسبة الإصابة به إلى ٠.٥ – ١% حيث يقدر عدد الحالات بحوالي ٤٠ مليون شخص في العالم ومرض الوسواس القهري الذي اعتقد الأطباء لوقت طويل أنه نادر الحدوث لكن الأرقام تشير إلى نسبة انتشار عالية لهذه الحالات تقدر بحوالي 3% من الناس.
أعباء الأمراض النفسية :
بالنسبة لأعباء المرض النفسي على المريض وأسرته والمجتمع فقد تم تحديد عدة أوجه لهذه الأعباء، وقد ذكرت تقارير منظمة الصحة العالمية أربعة أنواع من أعباء الأمراض النفسية التي تتسبب في المعاناة للمرضى التفسيين وأسرهم والمجتمع، وهي:
– العباء المعروف أو المحدد Defined burden :
ويتمثل في العجز أو الإعاقة التي تنشأ عن الإصابة بالمرض النفسي وتأثيره على مواصفات الحياة quality of life، وتمثل نسبة أعباء الأمراض النفسية والعصبية ١٠.٦% من مجموع الأمراض مجتمعة، كما تتسبب بها في ضياع ٢٨% من سنوات الحياة المرضى الذين يعانون منها.
– العبء غير المحدد Undefined burden:
ويتضمن الخسائر المادية والاجتماعية التي تنشأ نتيجة للإصابة بالمرض العقلي للمريض نفسه والمحيطين به من أفراد أسرته والمجتمع، ولا يمكن تقدير ذلك بالأرقام حيث يتضمن التكاليف المادية للعلاج والتأهيل، ونقص الانتاجية، والأعباء النفسية على أفراد الأسرة وتأثر حياتهم وإنتاجيتهم.
العام الخفي (غير المنظور) Hidden burden ويتمثل في الوصمة التي تسببها الإصابة بالمرض العقلي وانتهاك الحقوق الأساسية للمريض، ويترتب على ذلك مشاعر العزلة والإذلال والحرمان من العلاقات الاجتماعية.
– عبء المستقبل Future burden:
و هو توقع تزايد حالات الإصابة بالاضطرابات النفسية وما يترتب عليها من إعاقة عقلية نتيجة لزيادة النشار الأمراض النفسية، وزيادة أعداد المسنين والتغييرات التي يشهدها العالم نتيجة للصراعات والحروب والكوارث الطبيعية ومن شأن هذه الأعباء التأثير بصورة مباشرة أو غير مباشرة على حصول المرضى النفسيين على حقوقهم مثل حق العدالة في الرعاية والخدمات الصحية دون تفرقة، وحق الحرية للمرضى بأن لا يتم احتجازهم أو تقيد حريتهم، وحق الحماية من الانتهاك، وعدم التعرض للإساءة البدنية أو الجنسية، وحق الموافقة على العلاج دون إجبار، وحق تحكم المرضى وسيطرتهم على أموالهم وممتلكاتهم دون أن يغتصبها أحد.
Dr/ Amani Khaled Rached El sandafawy